مع تحول الإمارات والدول الخليجية إلى اقتصاد ما بعد النفط تبرز تحديات على مستويات عدة، إحداها تغيرات سوق العمل المترافقة مع التغيرات التكنولوجية الحاصلة.
وهو ما يستوجب إعادة النظر في فرص الأعمال المستقبلية، وخصوصاً ما يتعلق بالطاقات المتجددة أو باستخدام الروبوتات في الصناعة، وهو ما يؤثر على التوطين ويطرح تساؤلات بشأن توفر الكوادر المحلية لشغل هذه الوظائف. إذ تتوقع منظمة الخليج للاستشارات الصناعية (جويك) أن يفرض الاهتمام الخليجي المتزايد بالبعد البيئي.
والسعي المستمر لتطوير مصادر الطاقة المتجددة زيادة الطلب على مهن تتعلق بمجالات البيئة والطاقة، وهو الأمر الذي سيرتب تغيرات نوعية في سوق العمل الإماراتي والخليجي ترافق اقتصاد ما بعد النفط.
ويجد الباحثون الاقتصاديون صعوبة في تحديد احتياجات سوق العمل لكل مهنة، كونها ترتبط بمتغيرات عدة، وتعتمد دقة توقعات احتياجات سوق العمل على جودة النماذج التطبيقية المستخدمة. علماً أن التوقعات بشأن التخصصات المطلوبة قد تدفع إلى الانخراط في تلك التخصصات بشكل مكثف، ما يخلق فائضاً بالمدى المتوسط والطويل.
ووسط هذا الواقع تشكل ريادة الأعمال دوراً كبيراً في خلق فرص جديدة للشباب، خاصة في القطاع الخاص، فالقطاع الحكومي سيصل حد الاكتفاء من العمالة المواطنة.
تغيرات
سئل عبد العزيز بن حمد العقيل الأمين العام لمنظمة الخليج للاستشارات الصناعية (جويك)، حول استعداد الدول الخليجية لمواجهة هذه التغيرات، فقال:
من المتوقع أن يفرض الاهتمام الخليجي المتزايد بالبعد البيئي، والسعي المستمر لتطوير بدائل للطاقة النفطية من خلال التوجه نحو استخدام مصادر الطاقة المتجددة كالرياح والشمس والمياه، ظروفاً عملية تؤدي إلى زيادة الطلب على مهن تتعلق بمجالات البيئة والطاقة، ويأتي على رأس تلك الاختصاصات الهندسة الميكانيكية والكهربائية.
وهندسة الخلايا الضوئية، وهندسة طاقة الرياح، والعلوم التطبيقية، بالإضافة إلى توقع زيادة الحاجة لفنيين قادرين على التعامل مع الأجهزة والمعدات المرتبطة بتلك الأنشطة وصيانتها. أما بالنسبة لصناعات الروبوت فلا نزال بحاجة لوقت طويل لتوطينها في منطقتنا العربية، حتى وإن تمكنا من الاستعانة بخبرات خارجية لإنشاء مثل تلك الصناعة.
إلا أن امتلاك ناصية التكنولوجيا في هذا المجال سوف يظل لفترة طويلة مرتبطاً بالخبرات الخارجية، خاصة في مجالات هندسة الروبوت، والالكتروميكانيك وتطوير برمجياتها، وتطوير لغات تشغيل الروبوت. بالمقابل هنالك مهن يمكن أن تزول أو يقل الطلب عليها بسبب التحول نحو اقتصاد المعرفة، مثل:
عمال المصانع التي تتحول بشكل تدريجي للاعتماد المكثف على التكنولوجيا، وعمال التسويق التقليديون، وعمال التحصيل، وعمال الأرشفة التقليدية، وخدمة العملاء.
كوادر
وتثار بين خبراء التوظيف قضية توفر الكوادر الضرورية لسوق العمل محلياً أو إذا ما كان يجب جلبها من الخارج، وعن ذلك يقول الأمين العام لمنظمة الخليج للاستشارات الصناعية (جويك): تتعدد المهن الصناعية الجديدة التي يمكن إقامتها، حيث تشمل التوسع في صناعة البلاستيكيات المتطورة والهندسية.
وكذلك الصناعات التي تعتمد على التقنيات الحديثة المتطورة، والصناعات المعرفية، وتقنيات المعلومات، والأجهزة الإلكترونية بأنواعها، ومعدات الاتصال، وكذلك صناعة السيارات ولوازمها، وغير ذلك. ونعتقد أن هذه الصناعات تحتاج إلى المزيد من العمالة المؤهلة بشكل جيد، وإلى كوادر علمية مدربة تدريباً عالياً، وقد يتوفر القليل منها في السوق المحلية حالياً.
وبالإمكان تطوير وتنمية كوادر وطنية مؤهلة في المستقبل لريادة مثل هذه الأعمال، وذلك فيما لو تم تطوير النظام التعليمي، ودعم مناهج التعليم الفني على وجه الخصوص.
ولا يوجد نقص في العمالة الصناعية على وجه العموم من حيث العدد، ولكن هناك نقص في عدد العمالة المؤهلة والمدربة بشكل عالٍ في بعض الصناعات، وخاصة في الصناعات ذات التكنولوجيا المتطورة، والصناعات المعرفية وغيرها.
احتياجات
وفيما إذا كان بالإمكان تقسيم حاجات السوق إلى فترات زمنية، يقول العقيل إن الباحثين الاقتصاديين يجدون عادة صعوبة في تحديد احتياجات سوق العمل من الأيدي العاملة لكل مهنة من المهن، كونها ترتبط بمتغيرات عدة، من أهمها التطورات التكنولوجية المتسارعة، وتفاوت النمو في الأنشطة الاقتصادية التي ترتبط بها تلك التخصصات.
وتعدد الاختصاصات المطلوبة في كل نشاط واختلافها من منشأة لأخرى. وتعتمد دقة توقعات احتياجات سوق العمل على جودة النماذج التطبيقية المستخدمة، إلا أنه يمكن أحياناً تحديد التوجه نحو مهن معينة يتطلبها سوق العمل على المدى القصير، فعلى سبيل المثال يتطلب سوق العمل الخليجي في المجال الصناعي حالياً تخصصات الهندسة الدقيقة، مثل هندسة الكيماويات والالكتروميكانيك.
والخلايا الشمسية، والهندسة الذرية، والهندسة الصناعية، وتخصصات التسويق الإلكتروني، وهندسة البرمجيات، وأنظمة المعلومات، والهندسة الغذائية، والهندسة الكيميائية، بالإضافة إلى ضرورة إتقان جميع أصحاب التخصصات استخدام الحاسب الآلي والأنظمة المحسوبة في مجال عملهم.
إلا أن التوقعات بشأن التخصصات المطلوبة في سوق العمل قد تدفع القوى العاملة إلى التوجه نحو الانخراط في تلك التخصصات بشكل مكثف، مما يخلق فائضاً في سوق العمل على المدى المتوسط والطويل. ويتم عادة تحديد حجم القوى العاملة والاحتياجات التدريبية اللازمة لتلبية متطلبات سوق العمل، في ضوء الأهداف والاستراتيجيات الوطنية التي تتبناها الدول.
القوة الناعمة
تشارك النساء في خارطة العمل الجديدة، ويرى عبد العزيز بن حمد العقيل أنهن استطعن تحقيق درجات علمية عالية في تخصصات مختلفة، خاصة في مجال الطب والعلوم التطبيقية والهندسة، وجميع هذه التخصصات مطلوبة في سوق العمل الحالية والمستقبلية.
وستعطي للمرأة فرصة كبيرة في المساهمة في خارطة الأعمال الجديدة، ولكن هناك حاجة إلى تعزيز دور المرأة في مجال ريادة الأعمال، وخاصة في مجالات الاستثمار الصناعي والتقني، والتي لها انعكاسات إيجابية على الاقتصاد المعرفي والصناعة المعرفية.
توطين
ويرى العقيل أن توطين الوظائف مسألة استراتيجية لدول المنطقة، ولكن قبل ذلك على الدول أن تحدد القطاعات الاقتصادية ذات الأولوية للعمالة المواطنة، وأن تضع لها استراتيجيات وطنية لسوق العمل، تعمل على تحقيق التوازن بين مخرجات التعليم للمواطنين والوظائف المطلوبة لسوق العمل بالنسبة لعمالة المواطنة.
وتعمل دول المجلس حالياً على معالجة الخلل، ولكن ليس بشكل شامل أو على المدى الطويل، بل تصنع حلولاً على المدى القصير وعلى نحو مُجزَّأ.
التعليم
وحول قدرة مخرجات التعليم المحلية على تلبية احتياجات سوق العمل الحالية والتغيرات المتوقعة فيها، وهل توجد مؤسسات أخرى غير الجامعات تقدم التعليم والتدريب اللازم لسد الفجوة إن وجدت، يقول العقيل إن مخرجات التعليم المحلية الحالية لا تلبي جميع احتياجات السوق المحلية في المنطقة، على الرغم من أن النظام التعليمي بدأ بتنويع الاختصاصات في الجامعات في العقد الأخير.
حيث تم التركيز على تخصصات مثل: الهندسة، والاقتصاد، والعلوم الطبية، والطاقة، والبيئة، وعلوم الحاسب الآلي.
والخريجون من هذه التخصصات قد ساهموا في تقليل الفجوة إلى حد ما بالنسبة لحاجة السوق المحلية الحالية، ولكن لا يغيب عنّا أن هناك متطلبات وتخصصات جديدة لسوق العمل المحلية، تفرضها توجهات دول المجلس للاقتصاد المعرفي والصناعات المعرفية.
لا بد للنظام التعليمي ومراكز التدريب من أن تضع خططها المستقبلية، بحيث تلبي احتياجات سوق العمل الجديدة والمستقبلية، للتحول للاقتصاد المعرفي، الذي يساعد على نمو القطاعات ذات القيمة المضافة العالية.
ريادة
تشكل ريادة الأعمال دوراً كبيراً في خلق فرص جديدة كثيرة، خاصة في القطاع الخاص، فالقطاع الحكومي سيصل إلى حد الاكتفاء من العمالة المواطنة، وعلى المدى الطويل سيكتفي تماماً، ولذلك يرى الأمين العام لمنظمة الخليج للاستشارات الصناعية (جويك)، أنه لا بد من خلق ثقافة ريادة الأعمال لدى الشباب المواطنين، بحيث لا يكونون باحثين على الوظائف الحكومية، بل أصحاب أعمال موظفين للقوى العاملة.
حول المهن التي يتوقع أن تزداد حاجة السوق إليها في الإمارات، قال عبد العزيز بن حمد العقيل: بدأ العالم منذ عقود بالانتقال من الاقتصاد التقليدي إلى اقتصاد المعرفة.
وقد تسارعت وتيرة هذا التحول مع التطور الهائل في مجال التكنولوجيا والاتصالات ونظم المعلومات المحوسبة. فقد أصبحت المعرفة تشكل المكون الأساسي في العمليات الإنتاجية، سواء السلعية أو الخدمية. وقد كانت دولة الإمارات سبّاقة في هذا المجال، واحتلت المرتبة 23 (من أصل 143 دولة) عالمياً، والمرتبة الأولى على باقي دول الخليج من حيث مدى الجاهزية لتكنولوجيا المعلومات.
تكنولوجيا
وأضاف: تمكنت الإمارات بسرعة قياسية من إدخال مفهوم الحكومة الإلكترونية وتطبيقها في كثير من مؤسساتها وإجراءاتها الحكومية، وتسارعت وتيرة استخدامها للتكنولوجيا في العمليات الإنتاجية بشكل كبير، وخصوصاً في العقدين الأخيرين، وتقدر واردات الإمارات من الصناعات التكنولوجية بأكثر من 15 مليار دولار سنوياً من الولايات المتحدة الأميركية وحدها.
وتشهد الإمارات إطلالة مكثفة على فضاء التطورات التكنولوجية العالمية، حيث توسعت مجالات استيعاب التكنولوجيا الحديثة في جميع الأعمال، بما فيها مراكز الأبحاث والتعليم ومراكز التصنيع والتجارة وخدمات الأعمال. ويتوقع أن تتطور القدرات البشرية وبيئة الأعمال فيها لتستوعب تلك التطورات بشكل مستمر.
وعملت حكومتها بناءً على استراتيجياتها الوطنية الشاملة على تطوير سوق العمل بما يواكب متطلبات الاقتصاد المعرفي، وربط جميع القطاعات بهيكل تعليمي متطور للموارد البشرية الوطنية لتلبية احتياجات سوق العمل، وإيجاد فرص عمل لها، خصوصاً في القطاع الخاص.
مهارات
وتابع: لا شك أن الاعتماد المتزايد على التقنيات الحديثة في العمليات الإنتاجية والتعامل معها والاستفادة منها بشكل يحقق المنافسة بات يتطلب مهارات فنية معينة عالية، خصوصاً في المجالات الهندسية والتطبيقية، وتكنولوجيا المعلومات، والصناعات التقنية، والطاقة النووية والمتجددة، والتجارة الإلكترونية.
والأمن الإلكتروني، والأرشفة الرقمية، وتصميم البرامج المعلوماتية، وبرمجة التطبيقات الذكية، والحاضنات العلمية والتكنولوجية، لذلك من المتوقع أن يزداد الطلب على هذه المهن محلياً وعالمياً وبشكل متسارع.
أعداد
وفيما يتعلق بأعداد العاملين في القطاع التكنولوجي بدولة الإمارات، أجاب: تفيد البيانات المتوفرة لدى «منظمة الخليج للاستشارات الصناعية» أن إجمالي عدد العاملين في القطاع التكنولوجي الصناعي، قد بلغ عام 2015 نحو 14724 عاملاً وموظفاً. وهذا القطاع يعتمد على المعرفة، ويحتاج إلى توفر العمالة الفنية المدربة والمؤهلة بنسبة عالية، والتي تشمل صناعة المواد الصيدلانية والمنتجات الدوائية.
كما تشمل صناعة الحواسيب والمنتجات الإلكترونية والبصرية ومعدات الاتصال، ومعدات القياس والاختبار والتحكم، ومعدات التصوير الفوتوغرافي، كما يمكن أن تشمل صناعة المعدات الكهربائية، مثل:
المحركات والمولدات والمحولات الكهربائية، وأجهزة توزيع الكهرباء والتحكم فيها، وكذلك الألياف البصرية، والكابلات الإلكترونية، ومعدات الإضاءة، كما تشمل صناعة البلاستيكيات الهندسية والمتطورة، وغيرها.