في خضم البيئة الاقتصادية المتداخلة في العالم، من الصعوبة بمكان أن تجد شركاء تجاريين موثوق بهم، وحلفاء مخلصين عبر القارات، وصداقات طويلة الأمد. وفي هذا الصدد، تحضر العلاقات القوية والراسخة بين الولايات المتحدة الأمريكية والمملكة، باعتبار الولايات المتحدة الشريك التجاري الأقوى للمملكة في العالم بحجم تبادل تجاري بلغ 66 مليار دولار خلال العام 2014.
وحجم الصادرات الأميركية إلى المملكة تجاوز العام 2015م 19 مليار دولار، في حين تتجاوز مبيعات الولايات المتحدة للمملكة معدلاتها التاريخية. وتشمل القطاعات الأكثر نشاطاً في التبادل التجاري الأمريكي مع المملكة كلاً من: النقل، الدفاع، التعليم، التدريب، أنظمة الطاقة، التعدين، الخدمات الهندسية، الرعاية الصحية، تكنولوجيا المعلومات والاتصالات النفط والغاز، الأمن والسلامة، ومعدات الموارد المائية.
وقد أعلنت أميركا في سبتمبر الماضي عن دخولها في شراكة استراتيجية جديدة مع المملكة، تتطلع من خلالها إلى تعزيز جهود القطاعين العام والخاص داخل المملكة في مجالات خلق فرص العمل، والتنويع الاقتصادي، الابتكار وريادة الأعمال، من مشروع مترو الرياض – أكبر مشاريع البنية التحتية عالمياً- إلى مشروع صدار للبتروكيميائيات بحجمه البالغ 20 مليار دولار، بالإضافة إلى العديد من الاستثمارات الأميركية ألأخرى في الرعاية الصحية، النفط والغاز، التعليم، النقل، والدفاع.
وأضاف السفير ويتسفال "الولايات المتحدة الأميركية تتطلع قدماً لتشارك خبراتها في التنمية الاقتصادية، وخاصة فيما يتعلق بالدور المهم الذي تقوم به المرأة السعودية حالياً في عملية التنمية المستدامة، وفي تطوير قطاعي التعليم والتقنية في المملكة". مشيراً إلى قناعته بأن التحول النوعي لاقتصاد المملكة يصب بالتأكيد في صالح الشعبين السعودي والأميركي في آنٍ واحد.
علاقات تاريخية قائمة على التجارة
خلال فترة الثلاثينيات، أسست الشركات الأميركية شراكات مع الحكومة السعودية من أجل تطوير أول بنية تحتية متقدمة، بالإضافة إلى عددٍ من الشركات، كان منها سعودي أرامكو، أكبر شركة تعمل في مجال الطاقة عالمياً.
بل إن العلاقات الأميركية السعودية التجارية أعرق من نظيرتها السياسية. ففي العام 1933م، وقع كلا البلدين على اتفاقية التنقيب عن النفط، في حين لم تتشكل العلاقات الدبلوماسية رسمياً إلا بعد ذلك بستة أشهر. وهكذا، ازدهرت العلاقات التاريخية بين البلدين على مدى الأعوام السبعين الماضية، وأثمرت عن عددٍ من الصفقات التجارية الأهم على مستوى العالم.
فعلى سبيل المثال، شهدت المنطقة الشرقية تأسيس مشروع مشترك تحت اسم "صدارة" بين شركة داو الكيميائية وسعودي أرامكو بلغت قيمتها 10 مليارات دولار (بإجمالي استثمارات بلغ 20 مليار دولار) في واحدة من أكبر المشاريع وأكثرها ابتكاراً وتكاملاً من الناحية التقنية في التاريخ. وفي ذات السياق، تأسست شركة "كيمياء" من خلال شراكة جمعت سابك واكسون الكيمائية العربية التابعة لمجموعة اكسون موبيل العالمية بحصص متساوية بين الشركتين وبرأس مال قدره 10 مليارات دولار، بالإضافة إلى شركة معادن ألومنيوم، التي تأسست من خلال شراكة جمعت معادن وشركة ألكاو الأميركية، برأس مال قدره 10.8 مليارات دولار، وكذلك المشروع الذي يجمع معادن وسابك وموزاييك التي تبلغ قيمتها حوالي 7 مليارات دولار.
وفي المنطقة الغربية، تتجلى شراكة تجارية تاريخية بين مجموعة بقشان وبيبسي منذ العام 1952م. ومن المقرر أن تطلق بيبسي قريباً عملياتها الخاصة في أكبر منشأة لتعبئة منتجاتها في العالم، والموجودة في المدينة الصناعية الثانية بجدة. من جهة أخرى، قامت شركة مارس ومجموعة الناغي بإطلاق منشأة تصنيع جديدة عام 2014م في مدينة الملك عبدالله الاقتصادية بإجمالي استثمارات بلغ 80 مليون دولار حتى اليوم. المصنع الذي يشكل السعوديون 60% من العاملين فيه سينتج المنتجات الغذائية التي تحمل علامة مارس التجارية في أسواق المملكة ومنطقة الخليج. شركة كاتربيلر أيضاً تعتبر المملكة واحدة من أكبر وأهم الأسواق المستهدفة بالنسبة لها خارج قارة أميركا الشمالية، حيث تعمل من خلال شراكتها مع مجموعة الزاهد التي تعود إلى العام 1950م. أما شركة ايكوم AECOM فتتمتع بشراكة تجارية مع مجموعة زينل منذ العام 1980م، تتعاونان من خلالها على تنفيذ مشاريع البنية التحتية الأساسية التي تلعب دوراً هاماً في حياة السعوديين، مثل أنظمة تصريف الأمطار، وميناء الملك عبدالله بمدينة الملك عبدالله الاقتصادية. هذه أمثلة قليلة من قصص النجاح التجارية العديدة بين السعودية وأميركا، وكل يوم يمر يشهد مزيداً من الشراكات بين الشركات السعودية الخاصة والأخرى العائلية وقطاع الشركات الصغيرة والمتوسطة الأميركي.
التعليم.. يوثق عرى الشراكة
على مدى التاريخ، نجحت الشركات الأميركية في غرس النظام وبيئة العمل الأميركيين من خلال تزويد الشركات السعوديين عبر التدريب، وفرص الدراسة في أميركا، والشركات الجديدة أيضاً. واليوم، تحفل المملكة بآلاف السعوديين الذين أتموا دراساتهم الجامعية في أميركا، وتبوأوا مناصب رفيعة في القطاعين العام والخاص وفي الشركات الأميركية أيضاً في مختلف مناطق المملكة، بما في ذلك ما يقارب نصف أعضاء مجلس الشورى.
حوالي 600.000 طالب وطالبة درسوا في الولايات المتحدة الأميركية خلال الموسم الجامعي 2014/2015، وذلك من خلال العديد من البرامج والمبادرات المبتكرة والمتنوعة، وفي مقدمتها برنامج خادم الحرمين للابتعاث الخارجي. وهذا يشير إلى نمو قدره 11.2% مقارنة بالعام الماضي، ويضيف إلى هذه المسيرة التي استمرت على مدى عشرة أعوام، وما زالت مستمرة حتى يومنا هذا. تحتل المملكة المركز الرابع من حيث ابتعاث الطلاب للتعليم في أميركا للعام الخامس على التوالي، كما أنها تحتل المرتبة الأولى على مستوى دول الشرق الأوسط في هذا المجال بفارق كبير يبلغ 6.1% كم إجمالي الطلاب القادمين من خارج أميركا. وقد أسهم الطلاب السعوديون في الجامعات والكليات الأميركية العام الماضي في ضخ 1.7 مليار دولار للاقتصاد الأميركي.
على الرغم من ذلك، الروابط الثنائية لا تتوقف هنا، فالعديد من المؤسسات الأكاديمية الأميركية مثل MIT، وجامعة ستانفورد، وجامعة كولومبيا، وجامعة نورث ايسترن، وجورجيا التقنية تتمتع بعلاقات قوية مع الشركات والمدارس في المملكة، بما في ذلك جامعة الملك فهد للبترول والمعادن، وسعودي أرامكو، وكذلك معهد وادي الظهران التقني للأبحاث الآخذ في الاتساع. ولعل من أهم تلك الشراكات العلمية الشراكة التي تجمع جامعة الملك فهد بجامعة MIT في مجال تنقية المياه والطاقة النظيفة، والتي تلعب دوراً مهما في تطوير واقع هذين القطاعين في المملكة والخليج بشكل عام.