قررت المملكة بعد دراسات معمقة مستفيضة على أعلى المستويات التركيز على الصناعات التحويلية سعياً لإحداث نقلة تنموية هائلة لهذا القطاع التنموي الحيوي، وذلك من خلال استغلال ثروة ووفرة المواد الأولية الخام واللقيم التي تضخ من قبل المصانع الأساسية الضخمة للبتروكيماويات بالمدن الصناعية الجبيل وينبع ورأس الخير ورابغ وغيرها، والتي تقدر طاقاتها الإنتاجية بنحو 150 مليون طن متري سنوياً بحلول عام 2016، وتطوير سبل توظيفها لصالح تنمية الصناعات التحويلية الوطنية وتنويع منتجاتها النهائية والاستهلاكية ووقف استيرادها، وفتح آفاق لاستثمارات ضخمة لقطاع الصناعات التحويلية تقدر بنحو 100 مليار ريال، وسط دعم وتشجيع كامل من الحكومة والقطاعات الصناعية ذات العلاقة لتحقيق هذا الحلم الذي أصبح وشيك المنال، حيث من المتوقع أن تؤدي تلك الخطوات إلى خلق مناخ استثماري خصب لتوطين الصناعة والتقنية التي ستعود فائدتها لقطاعي الصناعات البتروكيماوية والتحويلية معاً، وتوفير منتجات استهلاكية ذات طلب عال جداً في المملكة مثل قطع الغيار وغيرها والمواد الأولية وإتاحة الفرص الوظيفية لعشرات آلاف الكوادر السعودية المؤهلة.
الفلسفة الصناعية الجديدة
وترتكز هذه الفلسفة الصناعية الجديدة على إيجاد علاقة تكاملية بين الصناعات الأساسية والصناعات التحويلية اعتماداً على مفهوم دعم سلسلة القيمة المضافة من خلال استغلال وفرة المواد الخام وتصنيعها محلياً بدلاً من تصديرها وصولاً للمنتج النهائي للمستهلك، في وقت رحبت كافة المصانع البتروكيماوية الضخمة بالمملكة بهذا التوجه الطموح حيث بادرت أغلبها والذين يمثلون قادة الصناعة البتروكيماوية والتكريرية في العالم ومنها شركات سابك وأرامكو ومعادن وبترورابغ وصدارة وساتورب والتصنيع وسبكيم وشيفرون السعودية والصحراء وغيرها بتسخير طاقاتها وتقنياتها واستثماراتها للتغلب على تحديات ومخاطر عدم وفرة اللقيم محلياً والمضي قدماً نحو تعزيز العلاقات بين المنتج الأساسي والتحويلي وتعظيم الفائدة المضافة لموارد المملكة الطبيعية.
150 مليون طن بتروكيماويات سعودية تمهد لاستثمارات بقيمة 100 مليار ريال بحلول عام 2016
وبالفعل بدأت المجمعات البتروكيماوية الضخمة بالمملكة والتي بزغ فجرها وازدهارها في القلعتين الصناعيتين الجبيل وينبع، بدأت بخطى ثابتة لإقامة صناعات كيماوية تحويلية فرعية لها خارج منظومة مواقعها التصنيعية المنحصرة بالجبيل وينبع الصناعيتين، وذلك إنفاذا لخطط المملكة للاستراتيجية الصناعية في أن تعم الصناعات مختلف مدن المملكة من أجل الرخاء الاقتصادي ليجوب خارطة المملكة شرقا وغربا وشمالا وجنوبا، حيث سارعت كل من شركة التصنيع الوطنية وشركة سبكيم في تفعيل رؤية حكومة المملكة الثاقبة في تنويع مواقع التصنيع حيث اتجهت الشركتان ولأول مرة في تاريخها نحو مدن حائل وجازان والرياض بضخ نحو 3 مليارات ريال لإقامة مصانع جديدة في تلك المدن فريدة من نوعها في منطقة الشرق الأوسط تعتمد أساساً على منتجات الشركتين من المواد الأولية والقيم التي تصنعها في مجمعاتها بالجبيل وينبع الصناعيتين.
التصنيع وتواجد قوي في حائل وجازان بضخ 2.5 مليار ريال
وبادرت شركة التصنيع الوطنية بالمضي قدما وإنجاز خطوات متقدمة في بناء وتشييد أربعة مشروعات صناعية في حائل تابعة لشركة الرواد الوطنية للبلاستيك «رواد» المملوكة بالكامل لشركة التصنيع تشمل مشروع إنتاج الأفلام البلاستيكية المستعملة في البيوت المحمية الزراعية، ومشروع للطلبيات البلاستيكية، ومشروع الأنابيب البلاستيكية، ومشروع للخزانات الصحية المستخدمة في المياه والصرف الصحي، بتكلفة إنشائية تبلغ 500 مليون ريال ومن المتوقع أن تبدأ التشغيل التجريبي في سبتمبر من عام 2015 الجاري.
وتؤمل التصنيع من مشاريعها الجديدة في حائل دفع مساهمتها الوطنية لتطوير البنى التحتية والثقافية للمناطق النائية، وتأهيل الكوادر البشرية في تلك المناطق حيث وصلت نسبة السعودة في مشاريع حائل إلى 75٪ منهم سعوديون وغالبيتهم ينتمون لمنطقة حائل، وهو ما كان مخطط له لهذه المشروعات أن توفر مزيداً من فرص العمل لمواطني المنطقة بعد تدريبهم وتأهيلهم لإنجاز الأعمال المطلوبة في هذه المشروعات.
كما اتجهت شركة التصنيع صوب جازان لتمضي قدما في خططها التنموية نحو تطوير الصناعة في المملكة وإبرازها إقليمياً وعالمياً، والاستمرار في مشاريعها التي تحقق دعما إضافيا لمصانعها الحالية حيث تنفذ حاليا مشروعا صناعيا ضخما جديدا في جازان المتمثل في مشروع مصهر كريستل للالمينيت الذي بلغت تكاليف تنفيذه 2.62 مليار ريال (ما يعادل 550 مليون دولار) حيث يعتبر هذا المشروع داعما لمصانع الشركة الحالية بتوفير المواد الخام لإنتاج مادة ثاني اكسيد التيتانيوم مما يعطي قطاع ثاني اكسيد التيتانيوم دعما لمواجهة تحديات المنافسة العالمية.
ويتخصص المصنع بمعالجة المادة الخام من الإلمينيت ويحولها إلى ثاني أكسيد التيتانيوم لاستخدامها في صناعة صبغات ثاني أكسيد التيتانيوم التي تستخدم بشكل واسع بشكل يومي في كثير من المنتجات مثل الدهان والورق والمواد البلاستيكية والحبر والمطاط وغيرها من المواد، في وقت توفر شركة اوتوتيك الفنلندية أفضل تقنيات صهر السبائك الحديدية، الموافقة لمعايير الاتحاد الأوربي، لمصهر كريستل في مدينة جازان الاقتصادية الذي سوف يركز على صناعة ثاني أكسيد التيتانيوم.
وتشير خطط المصنع إلى أن المصهر سوف ينتج 500 ألف طن متري من ركام ثاني أكسيد التيتانيوم بالإضافة إلى 230-235 ألف طن متري من الحديد الخام الذي سوف يستخدم لتغذية مصانع الحديد المحلية لأول مرة في تاريخ المملكة والشرق الأوسط، وتشمل مشاريع كريستل خططا توسعية في المستقبل لزيادة القدرة الإنتاجية إلى مليون طن متري.
ومن المخطط أن يعزز المصهر منافسة كريستل القوية في السوق ودعمها في تغطية النقص الدولي في ركام ثاني أكسيد التيتانيوم خلال السنوات القادمة، وسوف توفر مناجم كريستل في أستراليا معدن الإلمينيت للمصهر، فضلاً عن قدرة المصنع توفير معدن التيتانيوم محليا للمرة الأولى في تاريخ المملكة والمنطقة، في وقت يفتح المصنع الباب على مصراعية لتوفير 570 وظيفة لصالح الشباب السعودي بنسبة سعودة تبلغ 75% وفق تأكيدات الشركة.
«التصنيع» و«سبكيم» قررتا ضخ ثلاثة مليارات لمشروعات كيماوية تحويلية فرعية
وفي نفس المنحنى تسلك شركة سبكيم الاتجاه ذاته حيث تمضي بخطى متسارعة في إنشاء وتشغيل مشروعات تحويلية في كل من مدينتي حائل والرياض بقيمة إجمالية لاستثماراتها تبلغ 260 مليون ريال، سعياً لمواكبة الخطط الحكيمة لحكومة المملكة واستراتيجيتها الصناعية المدروسة التي تهدف لضرورة تنويع مواقع التصنيع والمنتجات الصناعية في مختلف أنحاء المملكة لتحقيق القيمة المضافة والقوة الصناعية وتعزيز المنافسة الخارجية وفتح فرص وظيفية، وهذا ما دفع الشركة للمبادرة بإقامة أولى مصانعها التنموية في منطقة حائل لدعم خطط إحداث نقلة صناعية واعدة بالمنطقة تواكب قرار الشركة بالتوجه نحو الصناعات التحويلية ضمن مشاريع المرحلة الثالثة التي بدأت الشركة في تنفيذها.
ولإنفاذ لتلك الرؤى سارعت سبكيم بتأسيس الشركة السعودية للمنتجات المتخصصة للصناعة بهدف إنشاء وتشغيل مشروعات تحويلية في المملكة، وذلك تنفيذاً لالتزامها بما جاء في كتاب تخصيص الوقود واللقيم اللازم لمشروع إنشاء مصنع خلات الإيثيل ومصنع خلات فينيل الإيثيلين ومصنع مركبات الأسلاك والكابلات والصناعات التحويلية الصادر من وزارة البترول والثروة المعدنية.
وبدأت سبكيم تشغيل مصنع أفلام خلات فينيل الإيثيلين الذي تقدر تكلفته الإجمالية بنحو 150 مليون ريال وبطاقة إنتاجية سنوية قدرها 4000 طن متري، من أفلام خلات فينيل الإثيلين، وقد حصلت الشركة على التقنيات الضرورية للتصنيع من شركة متسوي للكيماويات توهيسيلو اليابانية، ويقع على مساحة 40 ألف متر مربع، وسوف يتم تسويق المنتج عن طريق شركة سبكيم للتسويق إحدى الشركات التابعة لسبكيم، وتمويل المشروع عن طريق الشركة وقروض من جهات تمويلية محلية.
في وقت يعتبر هذا المشروع الأول من نوعه في منطقة الخليج، ويؤمل تجسيد خطط سبكيم بأهداف المملكة التي تسعى لأن تصبح واحدة من القوى الدافعة في مجال الطاقة المتجددة، حيث تستخدم أفلام خلات فينيل الإثيلين في صنع ألواح الخلايا الشمسية المستخدمة في إنتاج الكهرباء من الطاقة الشمسية، إضافة إلى استخدامها في إنتاج السيليكون البلوري وإنتاج أفلام الطاقة الشمسية الضوئية كون مادة أفلام خلات فينيل الإثيلين تعد الأكثر فاعلية والأقل تكلفة لتغليف الخلايا الشمسية الزجاجية، ويعتبر إقامة هذا المشروع في مدينة حائل فرصة داعمة لإيجاد فرص استثمارية لمشاريع جديدة تستخدم هذا المنتج، إضافة إلى خلق العديد من الفرص الوظيفية لأبناء منطقة حائل.
كما أدارت سبكيم بوصلتها في تنويع مواقع مصانعها باتجاه العاصمة الرياض لتشييد مشروع إنتاج قوالب معدنية متخصصة بتكلفة تقدر بحوالي 110 ملايين ريال، وبطاقة إنتاجية سنوية قدرها 1000 طن متري، من قوالب معدنية متخصصة لصناعة منتجات البلاستيك، بعد أن ظفرت الشركة بالحصول على التقنيات الضرورية للتصنيع من الشركة الألمانية لتصنيع المعدات «كيفر وركزجبو» ويخطط لتسويق المنتج عن طريق الشركة ذاتها، وتمويل المشروع عن طريق الشركة، وقروض من جهات تمويلية محلية.
وتستخدم القوالب المعدنية في تصنيع وتشكيل أنواع متعددة من القوالب والسبائك المستخدمة في مصانع البلاستيك والتغليف، وقد تم توفير وتهيئة البنية التحتية اللازمة للمنشأة لتصميم أي منتج صناعي أو تجاري، إذ يتم عمل النماذج الأولية وإنتاج المنتج كاملا من خلال تصميم القوالب أو السبائك حسب المعايير اللازمة، حيث تتوافر الخبرة الفنية العالية لدى الشركة الألمانية بصفتها مزود التقنية في مجال تصنيع الأدوات والسبائك للمنشأة.