أخيراً اجتمعت دول الخليج للبحث في توطين صناعة السكك الحديد، إذ أن أربعاً منها لم تشهد قيام شبكة عابرة للمدن، واثنتان هما السعودية والكويت ارتبطتا مع مطلع القرن العشرين بمحاولتين عثمانيتين لمد سكتين تصل مركز ولاية بغداد بالكويت، وتربط دمشق بمكة المكرمة. لم تصل الأولى إلى الكويت، فيما بلغت الثانية منتهاها، لكن عطلها البريطانيون وقوات الثورة العربية عام 1918 مع قرب انتهاء الحرب العالمية الأولى، وبعدها أنشأت السعودية شبكة سكك محدودة ومحلية.
وخرج مؤتمر استضافته مسقط على مدى يومين خلال الشهر الجاري، بقرارات قضت بـ «جعل تأسيس شبكة القطارات الخليجية جزءاً من نسيج اقتصادي واجتماعي محلي». باختصار تريد دول الخليج أن تغادر موقع المستورد وسلوك طريق قطعتها دول أخرى مثل اليابان والهند وإيران. وفي المقابل فشلت تجارب عربية في مصر والسودان في تحقيق أهداف مماثلة.
لن يشتري الخليجيون هذه المرة القضبان والعربات فقط، بل سيعملون على كيفية تملك إنتاجها وتطويره. وسيقومون بذلك عبر بحوث تستشرف مستقبل الصناعة، بمعية جامعة محلية أو مركز للتفوق العلمي لديهم. ليس ذلك فقط بل أنهم قرروا الإعداد منذ الآن لتجهيز الموارد البشرية وعلى كل المستويات، ويجب الإعداد لذلك الطاقم البشري منذ الآن في الدول الست.
والخليجيون منشغلون بربط دولهم لأسباب جلها اقتصادي، ولو لم تخل من قلق أمني، لكن يبقى الاقتصاد سيد الموقف.
وللقطاع الخليجي الخاص رأي في الموضوع، إذ رأى الأمين العام لاتحاد غرف دول مجلس التعاون عبد الرحيم نقي، أن مشروع السكك الحديد «يشكل نقلة استراتيجية ستسرّع تحرك الوحدة الاقتصادية الخليجية لتُضاف إلى مشاريع اقتصادية خليجية ناجحة أخرى، كالربط الكهربائي والمائي والسوق المشتركة وهيئة الاتحاد الجمركي والربط الإلكتروني». وقال: «المشاريع الأخيرة تساعد بدورها على تحقيق هدف منشود، وهو الوحدة الخليجية الكاملة».
بعد يومين من النقاش توصل 500 مندوب من 25 بلداً إلى القرارات. واقتنع الحضور بأهمية درس إنشاء صندوق تنموي لاستدامة السكك الحديد والمترو في دول المجلس، ويستهدف إعداد برامج تدريب يشمل إنشاء أكاديمية خليجية للتدريب في مجال السكك الحديد، ودراسات أكاديمية متخصصة تتضمن البحث العلمي وتطوير التقنيات. وستُعد برامج لتوطين صناعات مساندة لمشاريع السكك الحديد والمترو ذات قيمة مضافة للاقتصاد في دول المجلس. وستوضع خطة وجدول زمني لتوطين تلك الصناعات والمعرفة والتجربة والخبرات الإقليمية والدولية.
استراتيجيّة شاملة
ويؤكد الخليجيون الحاجة إلى استراتيجية شاملة لتكامل مشاريع السكك الحديد والمترو، ضمن منظومة النقل الشامل بكل أنماطه بين دول المجلس بما فيها الأعمال اللوجيستية لنقل الركاب والبضائع، على أن تشكل تلك الاستراتيجية جزءاً من تخطيط استراتيجي شامل في دول المجلس. وستوضع برامج لتشجيع شركات أجنبية ذات خبرات في السكك الحديد والمترو، وكي تتشارك مع القطاعين العام والخاص والاستثمار في مشاريع السكك الحديد والمترو المحلية، للاستفادة من خبراتها الفنية والإدارية. وستطور سياسات وقوانين تشريعية تناسب متطلبات تنفيذ تلك المشاريع، وتوفر بيئة مناسبة وأنظمة مشتريات تضمن منافسة عادلة وشفافة.
وستسهل الدول الأعضاء إجراءات إنشاء تحالفات لشركات خليجية ومتخصصة في دول متقدمة خبيرة بتصنيع متطلبات السكك الحديد، ولنقل التقنية والخبرة إلى دول المجلس في إنشاء مصانع مشتركة لتلك المتطلبات. وستُدعى شركات متخصصة أخرى في القطاع، للبحث في قيام تحالفات لإنشاء شركات خليجية مشتركة، لتقديم خدمات نقل البضائع والركاب والخدمات اللوجيستية المساندة لقطاع السكك الحديد والمترو في دول المجلس.
واتفقت الدول الخليجية على أهمية مشاركة دول المجلس ككتلة اقتصادية واحدة في عضوية المنظمات الدولية مثل الاتحاد الدولي للقطارات والجمعية الأميركية الهندسية للقطارات وصيانتها، وهيئة القطارات الأوروبية، المعنية بتطوير المواصفات والمعايير الهندسية والأنظمة والتشريعات الخاصة بتطوير مشاريع السكك الحديد والمترو في دول المجلس، للعب دور أكثر فاعلية في صنع القرارات ذات العلاقة.
ودعا لقاء مسقط إلى ضرورة اتفاق الدول الأعضاء على تطوير بنية مؤسسية ووضع سياسات ونظم تكاملية، تسهل انتقال الركاب والبضائع بين دول المجلس عبر مراكز حدودية لتحقيق أهداف استراتيجية، واستخدام أمثل لتكامل قطاعات النقل والسكك الحد