شهدت الأنظمة كافة الاقتصادية والمالية والاستثمارية السعودية في عهد الملك عبدالله بن عبدالعزيز، رحمه الله، قفزات وتطورات هائلة سواء على الصعيدين المحلي أم العالمي، جعلت من اقتصادها أحد اقتصادات العالم تطورا ونموا ومشاركة في الحركة التجارية الدولية وتحديدا خلال عهده الذي امتد منذ 2005 وحتى 23 كانون الثاني (يناير) الجاري.
وكان من أهم ما ميز تلك الحقبة من الناحية الاقتصادية، هو مصادقة وثائق انضمام السعودية لمنظمة التجارة العالمية من قبل مجلس العموم وبحضور أعضائها الـ 148 عضوا، وذلك بمدينة جنيف من شهر تشرين الثاني (نوفمبر) لعام 2005، لتصبح السعودية العضو رقم 149 في المنظمة.
وكان لهذا الانضمام مساعدة في اندماج الاقتصاد السعودي بالاقتصادات العالمية، مما ضخ المزيد من الاستثمارات الداخلية والخارجية وخلق فرص عمل للمواطنين السعوديين، إضافة إلى زيادة قدرة المنتجات السعودية والخدمات اللوجستية للوصول إلى الأسواق العالمية، علاوة على توفير بيئة شفافة للتجارة والاستثمار الأجنبي بما يتوافق مع قوانين منظمة التجارة العالمية.
كما كان هناك دور فعال للملك عبدالله رحمه الله، حين أخذ على عاتقه دفع عجلة النمو الاقتصادي للمملكة، خاصة فيما يتعلق بالأمور التنظيمية وتأسيس بنية تحتية قوية قابلة للتطور، خاصة في الجوانب التشريعية والقانونية والتنظيمية.
التطوّرات التنظيميّة
وشملت تلك التطورات التنظيمية، استحداث أنظمة ولوائح جديدة فيما يتعلق بالنشاط الاستثماري وسوق الأسهم السعودية، ومراجعة البعض الآخر منها، مما انعكست على متانة وقوة الاقتصاد السعودي، وتصدره المرتبة الأولى من بين أعضاء مجموعة العشرين، وفق التقرير الصادر عن المجموعة لعام 2012 في تنفيذ الالتزامات والإصلاحات الهيكلية والانضباط المالي وإصلاح المؤسسات المالية وتنظيم الأسواق المالية، والتقدم في تنفيذ جدول أعمال التنمية.
ومن أهم هذه القرارات، استحداث لائحة صناديق الاستثمار العقارية؛ التي من شأنها تنظيم وتأسيس الصناديق العقارية في السعودية، إضافة إلى لائحة حوكمة الشركات، من أجل ضمان الالتزام بأفضل ممارسات الحوكمة التي تكفل حماية حقوق المساهمين وحقوق أصحاب المصالح، إلى جانب إصدار لائحة صناديق الاستثمار، ولائحة الاندماج والاستحواذ، وغيرها من اللوائح والأنظمة.
ومن منطلق تحقيق الشفافية والانضباط والعدالة، قامت هيئة السوق المالية بتطوير البيئة النظامية للسوق المالية بإصدارها عدد من اللوائح التنفيذية لتفعيل نظام السوق المالية، حيث عنيت اللوائح بتنظيم طرح الأوراق المالية وقواعد تسجيلها وإدراجها، وضبط سلوكيات السوق، فضلا عن تنظيم أعمال الأوراق المالية والترخيص للعاملين فيها، والانتهاء من تشكيل لجنة الفصل في منازعات الأوراق المالية ولجنة الاستئناف.
وتتضمن أهم القرارات التي تخص سوق الأسهم السعودية، في عهد الملك عبدالله رحمه الله، فتح السوق أمام المقيمين الأجانب، حيث أعلنت هيئة سوق المال في شهر آذار (مارس) 2006، الضوابط التي سيتم بموجبها فتح محافظ استثمارية للمقيمين للتعامل في سوق الأسهم السعودية مباشرة.
ونصت الشروط على أن تكون إقامة الوافد سارية المفعول، وألا يحق له فتح أكثر من محفظة واحدة في أي بنك ـ علما أنه يسمح للسعودي بفتح ثلاث محافظ ـ وتمنع الوكالات منعا باتا وتكون إدارة المحفظة إدارة شخصية، كما يتاح لهم الاكتتاب في زيادة رساميل الشركات، فيما لا يتيح فتح السوق أمام تعاملاتهم، الاكتتاب في الطرح الأولي، في حين لم تضع الضوابط حدا أدنى لدخل المقيم، وسمحت في الوقت نفسه بالترشح لعضوية مجلس الإدارة.
وتقتصر التعليمات السابقة على الأفراد المقيمين فقط، حيث يتم تأسيس بيانات المستثمر عن طريق مركز الإيداع، على أن يتم التأكد من البيانات المرفقة قبل إكمال عملية الإضافة، واعتماد توقيع مدير العمليات أو من ينيبه داخل البنك على النماذج وإرسالها.
كما يتم إيقاف مؤقت للمحفظة عند انتهاء سريان الإقامة ويعاد تنشيطها في حال تجديد الإقامة، بينما تمنع الوكالات منعا باتا أن تكون إدارة المحفظة إدارة شخصية، كما لا يجوز التحويل من محفظة إلى أخرى، وتسريع ضوابط فتح الحسابات النقدية الصادرة من مؤسسة النقد العربي السعودي على هذه الإجراءات.
تأسيس شركة تداول
وتأسيس شركة "تداول" شركة السوق المالية السعودية، جاء وفق قرار مجلس الوزراء السعودي في الجلسة المنعقدة في 19 آذار (مارس) 2007، برئاسة الملك عبدالله رحمه الله، على أن تكون شركة مساهمة سعودية باسم "شركة السوق المالية السعودية (تداول)"، وذلك تنفيذا للمادة العشرين من نظام السوق المالية الصادر بالمرسوم الملكي الكريم رقم (م/30) وتاريخ 4/ 6/ 1424هـ، التي تقضي بأن تكون الصفة النظامية للسوق المالية شركة مساهمة.
وتهدف الشركة إلى توفير وتهيئة وإدارة آليات تداول الأوراق المالية والقيام بأعمال التسوية والمقاصة للأوراق المالية وإيداعها، وتسجيل ملكيتها ونشر المعلومات المتعلقة بها، فيما يبلغ رأسمالها 1.2 مليار ريال، مقسما على 120 مليون سهم متساوية القيمة، وهي أسهم نقدية اكتتب فيها كلها صندوق الاستثمارات العامة، فيما قضى القرار بأن يتم طرح جزء من أسهم الشركة للاكتتاب العام في الوقت الذي تحدده الجمعية العامة غير العادية للشركة.
ومن القرارات الجوهرية أيضا الخاصة بسوق المال، تخفيض القيمة الاسمية للأسهم من 50 ريالا إلى عشرة ريالات لكل سهم، بهدف تقريب وتوحيد القيم الاسمية للأسهم الخليجية، حيث وافق مجلس الوزراء السعودي، بتاريخ 27 آذار (مارس) 2006، على تخفيض القيمة الاسمية للأسهم على أن تكون قيمة السهم الاسمية في الشركات المساهمة، عشرة ريالات، وأن يسري هذا التعديل على جميع الشركات المساهمة، المرخص بتأسيسها قبل نفاذه، وذلك بتعديل المادة 49 من نظام الشركات.
وتمثل التجزئة إجراء معنويا مقبولا كخطوة إجرائية، حيث ستسهم في إعادة هيكلة تفكير المستثمر، وهو زيادة توسيع قاعدة المتعاملين وإمكانية تغيير مراكزهم والتحرك نحو أسهم أكثر فائدة، كما تعد فكرة التجزئة محفزا لدخول شرائح جديدة، للاستفادة من القيمة المنخفضة بعد انقسامها من السعر الأساسي، وهو ما يعني تداول أكبر في سوق الأسهم، ما يدفع لتغيير سلوكيات المتعاملين ومرورها بمرحلة من الانضباطية.
وشملت القرارات المهمة أيضا، صدور قرار من مجلس الوزراء لعام 2007، بتعيين أعضاء مجلس إدارة شركة السوق المالية (تداول)، وذلك لفصل المسؤوليات التشريعية والتنظيمية والرقابية التي تقوم بها هيئة السوق المالية عن المسؤولية التنفيذية التي تتولاها الشركة، كما أصدرت الهيئة لعام 2008، قواعد مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب، وتعديل وتطوير لائحة طرح الأوراق المالية.
وفي إطار دور الهيئة في تنمية الوعي الاستثماري لدى المتعاملين في الأوراق المالية، أقيمت حملة معارض توعوية متنقلة في 19 مدينة ومحافظة، وطُبع أكثر من مليون كتيب من كتيبات توعية المستثمر الاثني عشر، ووزعت على المستثمرين في صالات التداول والمؤتمرات والجامعات وغيرها، كما وزعت مطويات تحذر ممَّا يعد من أنواع التلاعب والتضليل. كما تمت زيادة عدد الشركات من 111 شركة في عام 2007 إلى 168 شركة في عام 2014، أي بزيادة قدرها 51 في المائة بنهاية 2014 مقارنة بنهاية 2007، إضافة إلى زيادة عدد القطاعات المدرجة من ثمانية قطاعات إلى 15 قطاعا، ما انعكس على دعم وتنظيم ممارسة أعمال الأوراق المالية ليبلغ إجمالي عدد الشركات المرخص لها بمزاولة تلك الأعمال إلى نحو 88 شركة بنهاية عام 2014.
وكان آخر هذه القرارات الجوهرية، إصدار قرار آخر فيما يخص تداول الأجانب في سوق الأسهم، حيث صدر قرار في آب (أغسطس) من عام 2014، بفتح السوق للمؤسسات الأجنبية المؤهلة مباشرة خلال النصف الأول من العام الجاري 2015م، وذلك عن طريق إصدار لائحة تنظم آلية العمل.
تطورات اقتصادية أخرى
إلى ذلك، صدر عديد من الأنظمة الكفيلة بتنظيم وتأسيس بيئة اقتصادية وقانونية وإلكترونية متقدمة ومن أهمها؛ "المشروع الوطني للتعاملات الإلكترونية الحكومية"، الذي تم إطلاقه في 1427/ 1428 هـ، حيث أسهم هذا المشروع في تقدم السعودية في الترتيب العالمي بمقدار 73 مرتبة، في مؤشر الأمم المتحدة لجاهزية التعاملات الإلكترونية الحكومية، حيث احتلت السعودية المرتبة الـ 36 من بين 193 دولة لعام 2012. كما جاءت السعودية ضمن أفضل 20 دولة في تقديم الخدمات الإلكترونية الحكومية، حيث تشير الإحصاءات أن نحو 111 جهة حكومية مرتبطة بشبكة آمنة ضمن المشروع، فيما تقدم أكثر من 2000 خدمة إلكترونية عبر أكثر من 170 جهة حكومية.
المناخ الاستثماري
وصنف تقرير البنك الدولي عن مناخ الاستثمار لعام 2011، المملكة في المرتبة الحادية عشرة من بين 183 دولة تم تقييم الأنظمة والقوانين التي تحكم مناخ الاستثمار فيها، متقدمة من المركز الثالث عشر الذي حققته في عام 2010م، بينما كانت تصنف في المرتبة الثالثة والعشرين من بين 178 دولة، لعام 2008، فيما صُنفت ضمن قائمة الدول العشر التي أدخلت إصلاحات على أنظمة الاستثمار فيها، العام نفسه.