انتهى المشاركون في مؤتمر "توطين صناعات السكك الحديدية والمترو في دول مجلس التعاون" إلى عدة توصيات من أبرزها أهمية إعداد دراسة تفصيلية لإنشاء "صندوق تنموي لاستدامة قطاع السكك الحديدية والمترو بدول مجلس التعاون" على أن يتم تمويل الشراكة من القطاع الخاص .
يستهدف المؤتمر إعداد برامج تدريبية، تشمل التدريب على رأس العمل، مدروسة بشكل جيد بما فيها إنشاء أكاديمية خليجية للتدريب ورفع الكفاءات الوطنية والاستفادة قدر الإمكان من معاهد التدريب القائمة حالياً بدول المجلس في مجال السكك الحديدية، إعداد برامج للدراسات الأكاديمية المتخصصة بقطاع السكك الحديدية والمترو بما فيها تطوير برامج البحث العلمي وتطوير التقنيات، ودراسة وإعداد برامج لتوطين الصناعات المساندة لمشاريع السكك الحديدية والمترو ذات القيمة المضافة للاقتصاد بدول المجلس، ووضع خطة عمل وجدول زمني لتوطين الصناعات المساندة والمعرفة والتجربة والخبرات الإقليمية والدولية الخاصة باستدامة تطوير وتشغيل وصيانة تلك المشاريع .
استراتيجية شاملة
وما بين الواقع والطموح تأرجحت الأفكار والرؤى والتوصيات، حيث يؤكد المشاركون الحاجة إلى وضع استراتيجية شاملة لتكامل مشاريع السكك الحديدية والمترو ضمن منظومة النقل الشامل بكافة أنماطه بين دول مجلس التعاون بما فيها الأعمال اللوجستية لنقل الركاب والبضائع على أن تشكل تلك الاستراتيجية جزءاً من التخطيط الاستراتيجي الشامل بدول المجلس، ووضع برامج فاعلة لتشجيع الشركات الأجنبية ذات الخبرات في قطاع السكك الحديدية والمترو للدخول في شراكة حقيقية مع القطاعين العام والخاص والاستثمار في مشاريع السكك الحديدية والمترو بدول مجلس التعاون للاستفادة من خبراتها الفنية والإدارية، على أن يتم تطوير السياسات والقوانين التشريعية ذات العلاقة بما يتناسب مع متطلبات تنفيذ تلك المشاريع وتوفير البيئة المناسبة وأنظمة المشتريات التي تضمن المنافسة العادلة والشفافية، وأن تقوم الدول الأعضاء بتسهيل الإجراءات الخاصة بإنشاء تحالفات بين الشركات الخليجية والشركات المتخصصة من الدول المتقدمة ذات الخبرة في مجال تصنيع متطلبات مشاريع السكك الحديدية وذلك لنقل التقنية والخبرة إلى دول المجلس من خلال إقامة مصانع مشتركة لتلك المتطلبات، ودعوة الشركات المتخصصة العاملة في قطاع السكك الحديدية والمترو، وعقد اجتماعات معها بهدف مناقشة إمكانية تكوين تحالفات لإنشاء شركات خليجية مشتركة لتقديم خدمات نقل البضائع والركاب والخدمات اللوجستية المساندة لقطاع السكك الحديدية والمترو بدول المجلس، وأهمية مشاركة دول مجلس التعاون ككتلة اقتصادية واحدة في عضوية المنظمات الدولية المعنية بتطوير المواصفات والمعايير الهندسية والأنظمة والتشريعات الخاصة بتطوير مشاريع السكك الحديدية والمترو.
نقلة نوعية
الدكتور عبداللطيف الزياني – الأمين العام لمجلس التعاون الخليجي – يقول إن الدول الست الأعضاء تمكنت من إنجاز عدد من مشاريع التكامل الاستراتيجية – كالسوق المشتركة والاتحادين الجمركي والنقدي والربط الكهربائي- وإنها ماضية نحو استكمال مراحل إنجاز مشروع السكك الحديدية الذي يصفه ب "نقلة نوعية" في جهود الترابط والتكامل الخليجي المشترك ويضع دول المجلس على أعتاب مرحلة اقتصادية جديدة نظراً للنمو المطرد على الصعيدين الاقتصادي والسكاني الذي يستدعي الإسراع في إنشاء وتطوير وتوسعة بنى تحتية وخدمات متطورة للنقل والسكك الحديدية والمترو، موضحاً أن تقديرات الخبراء الاقتصاديين تشير إلى أن الطلب على النقل بكافة وسائطه سيتضاعف خلال العشرين عاماً المقبلة، وأن إنشاء مشاريع تكاملية في هذا المجال سيوفر قدرات إضافية لتلبية الاحتياج المتزايد لنقل الركاب والبضائع، ويرفع من القدرة التنافسية لقطاعات النقل والمواصلات ويخفف من الاختناقات المرورية من خلال توفير وسائل نقل عام مجدية، ويسهم بشكل تكاملي وفاعل في التنمية الاقتصادية والاجتماعية عن طريق توفير وسيلة نقل اقتصادية آمنة وذات تأثير سلبي محدود في البيئة، مؤكداً أن قطاع النقل والمواصلات يعد وسيلة أساسية لنمو وازدهار بقية القطاعات الاقتصادية، أن دول "التعاون" تعمل حالياً في تطوير شبكات من السكك الحديدية والمترو والطرق والموانئ والمطارات ومنافذ حديثة قادرة مواكبة واستيعاب كافة التطورات التنموية المتسارعة، وما يتبعه من إجراءات من شأنها إدارة هذا القطاع الحيوي وتوجيهه بشكل إيجابي وفاعل، مشيراً إلى أن بعض الدول الأعضاء استكملت تنفيذ أجزاء من المشروع بينما بدأت أخرى في تنفيذه، إضافة إلى اعتماد الخرائط الهندسية لمسار سكة حديد دول المجلس، ووافقت على إطار عام "لخطة عمل وجدول زمني" للانتهاء من تنفيذ وتشغيل المشروع في عام 2018 وفقاً لأفضل المواصفات العالمية، كما أقرت كراسة المواصفات الفنية الشاملة لمرحلة إعداد التصاميم الهندسية التفصيلية، وتعمل على استكمال كراسة مرحلة تنفيذه ووضع السياسات والقوانين التشريعية اللازمة، مؤكداً التزام الدول الأعضاء بتحفيز مشاركة القطاع الخاص في مختلف المجالات التنموية وفتح الأسواق المحلية أمام المستثمرين المحليين والدوليين، خاصة في قطاع النقل والسكك الحديدية والمترو، كجزء مكمل لبرامج التطوير الذي من شأنه إيجاد مناخ تنافسي لرفع معدلات النمو الاقتصادي وتوفير الفرص الوظيفية ودعم التوسع والتنوع الاقتصادي وتطوير الموارد البشرية، وأن هذا المشروع الطموح يمثل فرصة مواتية لانتعاش اقتصادي مرتقب يقوم فيه القطاع الخاص بدور محوري وأساسي حيث يقدر حجم الاستثمارات المالية بحوالي مئتين وخمسين مليار دولار أمريكي "ربع تريليون" خلال السنوات العشر المقبلة سيتم إنفاقها من أجل تنفيذ ما يقارب عشرة آلاف كيلومتر من السكك الحديدية والمترو .
النفط . . ومستقبل الشعوب
أكد شهاب بن طارق آل سعيد مستشار السلطان قابوس أهمية المشروع الذي تواجه فيه دول مجلس التعاون الخليجي تحديات كبيرة على مستوى كافة القطاعات والجهات منها الكادر البشري وتدريب القوى العاملة البشرية، مشدداً على أهمية مشاركة القطاع الخاص بشكل فاعل في اقتصادات دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية التي دعاها إلى "تفعيل وتمويل" اكمال هذه المشاريع الضخمة وربط جميع المناطق بالدول الست، مشيراً إلى أن مؤتمر "توطين صناعات السكك الحديدية والمترو" يسعى إلى "تفعيل وتوطين" هذا المشروع العملاق داعياً القائمين عليه للقيام بدورهم في التنسيق والتعاون مع جميع القطاعات للاستفادة من الخبرات المشتركة والعالمية المتواجدة التي سبقت بخبراتها في إنشاء هذه النوعية من المشاريع الضخمة .
وحول انخفاض الإيرادات الحكومية من النفط ومدى تأثيرها في المشروع، يقول إن الإيرادات النفطية مرتبطة بالعديد من المشاريع التنموية والاستثمارية والاستراتيجية لبقية القطاعات، مؤكداً الالتزام العماني بهذا المشروع "حسب تأكيد الوزير المسؤول عن الشؤون المالية وما تم في جلسة مجلس المناقصات" بأن الجميع ملتزم حتى مع الهبوط المتواصل لأسعار النفط المرتبط بمستقبل شعوب المنطقة، مشيراً إلى أن الشركات المشاركة في المعرض المصاحب للمؤتمر سوف تسخر مبالغ ضخمة للبحث والتطوير، كما أن مجلس البحث العلمي "والذي يرأسه شهاب بن طارق" بالتعاون مع المختصين سيعمل على تفعيل البحوث العلمية المختصة .
تجربة الإمارات
المهندس فارس سيف المزروعي الرئيس التنفيذي بالإنابة لشركة الاتحاد للقطارات الإماراتية قال: إن السوق الخليجي سيحظى بقطاع إضافي من شأنه توسيع وتوفير فرص أكبر للقطاعين الخاص والعام على حد سواء، وإن الأنظار تتجه في الوقت الراهن نحو دولة الإمارات العربية المتحدة التي تعمل حالياً في طور المرحلة الأولى من الاختبارات والتكليف .
ويعتبر الدكتور رامز العسّار- مستشار البنك الدولي في الأمانة العامة لمجلس التعاون لدول الخليج العربية- مشروع سكك الحديدية الخليجية فريداً من نوعه، واصفاً إياه "بالطموح والمعقد بطبيعته"، إلا أنه سيؤمن ربط الدول الست الأعضاء ليشكل وسيلة نقل إقليمية يتم تطويرها اعتماداً على منهج مستدام بما يعزز تكامل مشاريع السكك الحديدية الوطنية ويعمق التواصل الاجتماعي والسياسي .
إيجابيات بيئية
قال الدكتور رميح الرميح – الرئيس التنفيذي في الشركة السعودية للخطوط الحديدية – إن شركته تعمل على بناء شبكة ضخمة بطول خمسة آلاف كيلو متر أصبحت ألفاً وأربعمئة منها "تحت الخدمة" بمقدرة على نقل الفوسفات والبوكسيت من المناجم إلى منشآت التصنيع في ميناء "رأس الخير" حيث أمكن نقل 5 .6 مليون طن من الفوسفات، موضحاً أن استخدام شبكات السكك الحديدية يعود بفوائد ملموسة، وأن المملكة تمكنت من توفير سبعين في المئة من الوقود الذي كان من الممكن استهلاكه للنقل بالشاحنات، كما أن التأثير الإيجابي الضخم يمتد أيضاً إلى البيئة حيث من المقدر انخفاض معدلات انبعاثات غاز ثاني أكسيد الكربون بمعدل خمسين في المئة من خلال استخدام القطارات لنقل البضائع .
كان المؤتمر قد عقد في مسقط على مدى يومين برعاية شهاب بن طارق آل سعيد مستشار السلطان قابوس ورئيس مجلس البحث العلمي مستقطباً خمسمئة من الشخصيات ذات العلاقة تمثل خمساً وعشرين دولة من مختلف أنحاء العالم للبحث في كيفية الاستفادة من الفرص الاجتماعية والاقتصادية للاستثمارات الضخمة في هذا النوع من الصناعات بما يضمن أثراً مضاعفاً ينعكس إيجابياً على اقتصادات المنطقة، حيث شهد مناقشات حول تطلعات وخطط الحكومات في مجال التنمية المستدامة لسكة الحديد التحديات والفرص، ومفهوم التنمية المستدامة في النمو الاقتصادي وأهمية "توطين" صناعات السكك الحديدية والمترو في دول التعاون الخليجي، وأهمية بناء القدرات والتدريب ونقل التكنولوجيا، وتأثير مشاركة القطاع الخاص في التطور والاستثمار بالمشروع .