في حوار مع ” الاقتصادية ” بدا وكيل وزارة الزراعة المهندس الشهري متفائلا بمستقبل الجمعيّات التعاونية بأن تقوم بما لم تنجح به الشركات التسويقية. وأكد أن تحقيق الاكتفاء الذاتي في المحاصيل والمنتجات كافة ليس من أهداف التنمية الزراعية في المملكة، وإنما الهدف هو إيجاد تنمية زراعية تكون ذات كفاءة، موضحاً أن انخفاض المساحات المزروعة (المساحة المحصوليّة) ساهم في تناقص عدد المزارعين من 563 ألفا إلى 458 ألف مزارع.
ولفت إلى حدوث طفرة إنتاجية شاملة أفقياً ورأسياً ساهمت فيها بقدر كبير المشاريع الزراعية المتخصصة والشركات الزراعية المساهمة والمؤسسات الزراعية المساندة، وانعكس ذلك على زيادة قيمة الناتج المحلي الزراعي في عام 2013م إلى 51.6 مليار ريال.
وقلل من تأثير تحول الأراضي الزراعية إلى أراض سكنية على مستقبل الزراعة في المملكة، كما نفى أن تكون أسعار الأراضي الزراعية هي المعوق أمام المستثمرين من الشباب، قائلا “: هناك وفرة في الأراضي الصالحة للزراعة في المملكة، لكن المعوق هو محدودية المياه وقلة الخبرة في الزراعة لدى كثير منهم.
وفيما يلي نص الحوار:
بداية ما استراتيجية وزارة الزراعة لتطوير القطاع وانعكاساتها على الناتج الزراعي المحلي؟
تتمثل استراتيجية الوزارة في إيجاد قطاع زراعي متطور ومؤسس على كفاءة استخدام الموارد الطبيعية واستدامتها، خاصة الموارد المائية، ومساهماً في تحقيق الأمن الغذائي المستدام بمفهومة الشامل وفي التنمية الاقتصادية والاجتماعية، وقد تضمنت خطط التنمية الزراعية على مدى السنوات الماضية عديدا من المشاريع الهادفة إلى تطوير القطاع الزراعي، وبتضافر جهود الوزارة مع المزارعين والمستثمرين في القطاع الزراعي انتقل القطاع الزراعي من تقليدي بدائي يتسم بضعف الإنتاج والإنتاجية إلى قطاع متطور تستخدم فيه التقنيات الحديثة في الإنتاج، ما يسر حدوث طفرة إنتاجية شاملة أفقياً ورأسياً ساهمت فيها بقدر كبير المشاريع الزراعية المتخصصة والشركات الزراعية المساهمة والمؤسسات الزراعية المساندة، وانعكس ذلك على زيادة قيمة الناتج المحلي الزراعي في عام 2013م إلى 51,6 مليار ريال، وبلغ معدل نمو القطاع الزراعي للعام نفسه 3 في المائة، واستطاع القطاع الزراعي أن يواكب في نموه القطاعات الاقتصادية الأخرى من خلال مساهماته المختلفة ودوره في تنشيط وتنمية بعض القطاعات الاقتصادية من خلال الروابط الأمامية والخلفية، إضافة إلى المساهمة في تنويع مصادر الدخل والحد من التضخم وارتفاع الأسعار وتكاليف المعيشة، ما ساعد على تحقيق الأمن الغذائي والاستقرار الاجتماعي.
ما أبرز التحديات التي تواجهها الوزارة؟ وما الخطوات العملية التي قمتم بها لمواجهة ترشيد استهلاك المياه؟
لا شك أن محدودية الموارد المائية تعتبر التحدي الرئيسي للتنمية الزراعية في المملكة، لذلك سعت الوزارة إلى تطبيق سياسات زراعية تهدف إلى تعظيم الاستفادة من المياه والحد من استهلاكها في القطاع الزراعي، وتحقيق تنمية زراعية مستدامة، ومن هذه السياسات التي يجري تطبيقها، تشجيع المزارعين على استخدام وسائل الري الحديثة والمرشدة للمياه، حيث وافق مجلس الوزراء على رفع إعانة وسائل الري الحديثة المقدمة من صندوق التنمية الزراعية من 25 في المائة إلى 70 في المائة، وكذلك الحد من زراعة المحاصيل ذات الاستهلاك المائي المرتفع مثل الحبوب والأعلاف والخضار المكشوفة، من خلال منع تصدير هذه المنتجات إلى خارج المملكة، إضافة إلى وقف شراء القمح من المزارعين، وفي المقابل يتم توجيه المزارعين إلى زراعة المحاصيل ذات الاستهلاك المائي المنخفض مثل زراعة الخضراوات في البيوت المحمية وزراعة محاصيل الفاكهة باستخدام التنقيط وإنتاج لحوم الدجاج، وإقامة مشاريع الاستزراع السمكي، ونتيجة لتطبيق هذه السياسات استطاع القطاع الزراعي المساهمة في توفير عدد من المنتجات المهمة مثل التمور والألبان الطازجة وبيض المائدة والخضراوات والفاكهة ولحوم الدجاج.
ما تأثير النمو السكاني الذي أدى إلى تحويل عديد من الأراضي الزراعية إلى سكنية؟ وكم تبلغ المساحة الزراعية وما تأثيرها في مستقبل الزراعة؟
معدل النمو السكاني في المملكة يعتبر من أعلى المعدلات في العالم، الأمر الذي يؤدي إلى زيادة الطلب على المساكن، وبالتالي تزايد مساحات المدن وتحول الأراضي الزراعية الواقعة في أطراف هذه المدن إلى أراض سكنية، إلا أن المملكة تتمتع بمساحات واسعة من الأراضي الصالحة للزراعة، التي تبلغ 48899 ألف هكتار، وبالتالي لا يوجد تأثير من تحول الأراضي الزراعية إلى أراض سكنية على مستقبل الزراعة في المملكة، كما تسعى وزارة الزراعة إلى رفع معدل الإنتاج بالنسبة لوحدة المساحة وكذلك مستوى الجودة، من خلال استخدام بذور عالية الإنتاجية والجودة.
كم عدد المزارعين؟ وهل صحيح أن عددهم يتناقص سنويا؟
يبلغ عدد الحيازات الزراعية العاملة في المملكة نحو 250 ألف حيازة، إلا أن التغير في السياسات الزراعية الهادفة إلى الحد من استهلاك المياه في الزراعة، قد ساهم في انخفاض المساحات المزروعة (المساحة المحصولية) من 1226507 هكتارات في عام 1999م إلى 745637 هكتارا في عام 2012م، وقد أدى ذلك إلى تناقص أعداد المشتغلين في الزراعة (ومعظمهم من غير السعوديين) من نحو 563 ألفا إلى 458 ألفا خلال هذه الفترة، وهذا النقص يعتبر متماشياً مع التغير في التركيب المحصولي، حيث توجه كثير من المزارعين نحو الزراعات الكثيفة وذات الاحتياج المائي المنخفض مثل زراعة الخضار في البيوت المحمية. أما عن تناقص عدد المزارعين فقد لا يكون مؤثراً، نظراً لاستخدام المعدات الحديثة، لكن ما تحرص عليه الوزارة هو التنمية المستدامة وزيادة عدد المزارعين السعوديين.
ما تعليقكم على مطالب بعض المزارعين في شمال المملكة وجنوبها، بعدم إيقاف المحاصيل التي تستهلك المياه؟
لا شك أن السعودية ذات مساحة جغرافية واسعة ومتعددة المناخات وقد ساهم ذلك في تنوع الميز النسبية لمختلف المناطق، إلا أن المناخ الصحراوي هو المناخ السائد، حيث تعتبر المملكة من الدول الفقيرة مائياً بحسب المعايير الدولية، ولأن الزراعة هنا تعتمد في الأغلب على المياه الجوفية غير المتجددة، لذلك كان لا بد من تقنين الزراعة والحد من استهلاك المياه للمحافظة على المخزون المائي وإيجاد توازن بين الأمن المائي والأمن الغذائي، وبالتالي فإن مناطق المملكة وفقاً لميزها النسبية يمكنها المساهمة بكفاءة في الأمن الغذائي، فهناك مناطق سهول تهامة التي يمكن الزراعة فيها فعلياً على مياه الأمطار، وكذلك المدرجات الزراعية في المناطق الجبلية يمكن تسخيرها بفاعلية لإنتاج المحاصيل من خلال تصاميمها كمصائد لمياه الأمطار.
ما مبادرات الوزارة للتنمية الريفية وحل مشكلاتها؟
المملكة سعت فيما مضى ولا تزال تعمل على تنمية المناطق الريفية في جوانب الحياة المختلفة كافة، وذلك أسهم في إيجاد أرضية ومقومات جيدة في معظم مناطق المملكة الريفية، وتعتبر الزراعة هي المحور المهم والأساسي في مجال التنمية الريفية، وعليها فإن التنمية الزراعية الهادفة لزيادة الدخول في المناطق الريفية عن طريق زيادة الإنتاج الزراعي والقيمة المضافة عن طريق تطوير التسويق والتصنيع الزراعية، تعتبر من ضرورات التنمية الاقتصادية ومحاربة الفقر وتوفير الغذاء وتحقيق أهداف الأمن الغذائي بمفهومه الشامل في المملكة. وهناك عديد من الوسائل والأساليب التي اتبعتها الوزارة المناسبة لرفع المستوى الاقتصادي والاجتماعي لصغار المزارعين ومربي الماشية وصيادي الأسماك ومن تلك الوسائل دعم الجمعيات التعاونية الزراعية التي تعتبر إحدى الوسائل المهمة لتفعيل التنمية الزراعية الريفية، وتقدم الدولة في هذا المجال عديدا من وسائل الدعم والمساندة للجمعيات التعاونية الزراعية والتسويقية والسمكية لتفعيل دورها حتى تتمكن من خدمة أعضائها.
يعاني القطاع الزراعي ضعف الجوانب التسويقية ونقص الأسواق، ماذا عن شركات التسويق للمحاصيل الزراعية؟
صحيح أن هناك معاناة في الجانب التسويقي للمحاصيل الزراعية، لكن ليس هناك نقص في الأسواق المتخصصة في تصريف المنتجات الزراعية، بل هناك قصور في الخدمات المقدمة في تلك الأسواق، ونعني بها الأسواق المركزية للخضراوات والفاكهة واللحوم، وتسعى الوزارة جاهدة إلى التنسيق المستمر مع البلديات، إضافة إلى الجمعيات التعاونية الزراعية التسويقية والجمعيات المتعددة الأغراض لإيجاد حلول ناجحة للمشكلات التسويقية للمنتجات الزراعية، وقد توصلنا “مجتمعين” لوضع وتنفيذ حلول لبعض أهم تلك المشكلات في بعض المناطق، وأبرزها منطقة القصيم والعمل جار لتطبيق تلك التجارب والحلول التسويقية بمناطق ومحافظات أخرى. وعن مدى إمكانية إيجاد شركات تسويقية للمحاصيل الزراعية، فقد كان لوزارة تجربة لدعم إنشاء شركات تسويقية زراعية متخصصة، إحداها لتسويق الخضراوات والفاكهة، وثانية لتسويق الألبان ومنتجاتها، وثالثة لتسويق الدواجن ومنتجاتها، وفي مجالات أخرى، إلا أنها لم تحقق الهدف المنشود بل توقف نشاط بعضها وألغيت، لضعف إمكاناتها ولأسباب أخرى تتعلق بالإدارة.
وما البديل؟
طرحت وزارة الزراعة فكرة إنشاء شركة زراعية تسويقية (مساهمة) من قبل القطاع الخاص، ودعت صندوق الاستثمارات العامة في وزارة المالية للمساهمة فيها لزيادة الثقة بالشركة وسميت (الشركة السعودية للتسويق الزراعي)، إلا أنه لم يكتب لها النجاح ببدء عملها وألغيت الفكرة، ولهذا اتجهت الوزارة إلى دعم وتشجيع إنشاء جمعيات زراعية تسويقية ومتعددة الأغراض، فأنشئ عديد من الجمعيات بترخيص من وزارة الشؤون الاجتماعية، فضلاً عن دعم صندوق التنمية الزراعية لها بمنحها قروضاً لتأمين بعض احتياجاتها، وقد تميزت بعض تلك الجمعيات بأنشطتها، ما بعث تفاؤلاً لدى وزارة الزراعة بأنه يمكن التعويل على الجمعيات التعاونية، بأن تقوم بما لم تنجح الشركات التسويقية في القيام به، لمناسبة هذا الأسلوب ظروف مناطق الإنتاج في المملكة.
هل هناك توجه لإيقاف زراعات جديدة، وإبلاغ المزارعين بذلك؟
لا يوجد توجه لإيقاف زراعة أي محصول، وإنما يتم اتخاذ إجراءات للحد من زراعة المحاصيل ذات الاستهلاك المائي المرتفع، وتشجيع المزارعين للتوجه نحو زراعة المحاصيل ذات الاستهلاك المائي المنخفض، وحالياً الوزارة وبالتنسيق مع الجهات ذات العلاقة تدرس بجدية إيقاف زراعة الأعلاف الخضراء في المملكة.
الأمن الغذائي هاجس الدولة .. ما الخطوات التي تمت في هذا المجال؟
اُتخذ عديد من الإجراءات في سبيل توفير الغذاء لجميع المواطنين والمقيمين على أرض المملكة، ومن هذه الإجراءات إطلاق مبادرة الملك عبدالله للاستثمار الزراعي في الخارج، ودعم القطاع الخاص لتوفير السلع الغذائية الضرورية في الأسواق السعودية، خاصة السلع التي لا يمكن زراعتها في المملكة، نظرا لاحتياجاتها المائية المرتفعة مثل الحبوب والأرز والقمح والزيوت النباتية والسكر والأعلاف، كما سعينا إلى تخفيض أو إلغاء الرسوم الجمركية لعدد 180 سلعة مهمة تمس احتياجات المستهلكين اليومية بشكل مباشر، وقمنا بإنشاء الشركة السعودية للاستثمار الزراعي (سالك) برأس مال 3000 مليون ريال، وتعمل هذه الشركة على الاستثمار الزراعي في الخارج أو الدخول في شراكات مع مستثمرين لتوفير السلع الغذائية الضرورية زيادة رأس مال الصندوق السعودي للتنمية الزراعية إلى 20 مليار ريال، لدعم المزارعين في المملكة والاستثمار في زراعة المحاصيل ذات الاحتياج المائي المنخفض، التي تتناسب مع ظروف المملكة الطبيعية، بهدف المساهمة في توفير جزء من احتياجات المملكة الغذائية.
هل صحيح أن العمل في الزراعة لم يعد خيارا مطروحا أمام الشباب السعودي، نظراً لارتفاع أسعار الأراضي وكثرة المشكلات؟
لا تعتبر أسعار الأراضي الزراعية هي المعوق أمام المستثمرين من الشباب، وذلك لوفرة الأراضي الصالحة للزراعة في المملكة، لكن المعوق هو محدودية المياه وقلة الخبرة في الزراعة لدى كثير منهم، لأنه من المهم أن يكون المستثمر في الزراعة على علم ودراية بالنشاط الزراعي الذي يرغب الاستثمار فيه، علما بأن مجالات الاستثمار في الزراعة متعددة وتحقق عوائد مجزية لمشاريع لا تستهلك كميات كبيرة من المياه، مثل مشاريع الدواجن والزراعة داخل البيوت المحمية والاستزراع السمكي باستخدام الأقفاص العائمة في البحر.
ما المنتجات التي يمكن أن تحقق الاكتفاء الذاتي؟ وهل هناك دراسات لتحقيق ذلك؟
تحقيق الاكتفاء الذاتي في المحاصيل والمنتجات كافة ليس هدفاً من أهداف التنمية الزراعية في المملكة، وإنما الهدف هو إيجاد تنمية زراعية تقوم على كفاءة استخدام الموارد الطبيعية واستدامتها، خاصة الموارد المائية، ومساهماً في تحقيق الأمن الغذائي بمفهومه الشامل وفي التنمية الاقتصادية والاجتماعية، وقد حققت المملكة الاكتفاء الذاتي في الألبان الطازجة وبيض المائدة والتمور ونسبة عالية في عديد من الخضراوات والفاكهة والمنتجات السمكية ولحوم الدواجن.