وزير الاقتصاد القطري: صرّح أنّ قطر توجه إيراداتها للاستثمار الداخلي والخارجي بطريقة متوازنة، وتسعى لتعظيم الفوائد والمصالح مع شركائها التجاريين. ولفت إلى ضرورة توفير بيئة مشجعة لنمو الاقتصاد العالمي، كما طالب بمسار واحد لتحقيق الرفاهية للشعوب
شارك سعادة الشيخ أحمد بن جاسم آل ثاني وزير الاقتصاد والتجارة في منتدى الاستثمار العالمي الذي أقامه التحالف الاقتصادي الدولي بنادي هارفارد بمدينة نيويورك، وذلك على هامش مشاركة رؤساء الدول في اجتماعات الدورة 69 للجمعية العامة للأمم المتحدة. تحت شعار "المسار إلى الازدهار" .
وقد شارك سعادته باعتباره أحد المتحدثين الرئيسيين المشاركين في المنتدى الذي يضم ضمن الحضور بعض رؤساء الدول ووزراء وأكاديميين بجانب العديد من رجال الأعمال من مختلف أنحاء العالم. ومن ضمن قائمة المدعوين العديد من صناع القرار المؤثرين على مجريات الاقتصاد والتجارة الدوليين بشكل عام والمعنيين بشؤون الاستثمار الدولي بشكل خاص.
وفي سياق الكلمة التي ألقاها سعادة الشيخ أحمد بن جاسم آل ثاني وزير الاقتصاد والتجارة نقل سعادته تحيات وتقدير سمو الشيخ تميم بن حمد آل ثاني -حفظه الله- أمير البلاد المفدى للحاضرين وعكس سعادته اهتمام سمو الأمير -حفظه الله- وتمنياته بأن يحقق المنتدى النجاح المنتظر ونتوصل للغايات المرجوة لما فيه خير الجميع . وأشاد بالدور البناء الذي للمنتدى في إتاحة الفرصة وبصفة دورية ليلتقي العديد من المفكرين وصناع القرار للتشاور وتبادل الآراء والأفكار التي من شأنها المساهمة في صنع مستقبل اقتصاديات الدول بشكل خاص والاقتصاد العالمي بشكل أشمل عبر التعاون بين كافة دول العالم. وقد نوه سعادته إلى أهمية أن يحقق المنتدى نتائج ملموسة للمضي في طريق التعافي الاقتصادي والتوجه نحو الرفاهية لشعوب العالم.
وفي معرض حديثه أشار سعادة الوزير إلى أن الدورة التاسعة والستين للجمعية العامة للأمم المتحدة تنعقد هذا الشهر في ظروف يمر خلالها العالم بمنعطف خطير من حيث تدهور العلاقات الدولية وما تواجهه من تحديات جمة ومؤثرة على مستقبل الاقتصاد العالمي والسلم الدولي. وتواجه الأنظمة متعددة الأطراف العديد من المشاكل والمواضيع الحساسة التي لم يواجهها العالم من قبل في تاريخه.
وما لم يتم خلق نوع من التآزر والرؤية الواحدة الواضحة المعالم المشتركة بين كافة دول العالم لمعالجة هذه المشاكل وتجاوز تلك التحديات في كافة دول العالم وأقاليمه ومجتمعاته فلن تخرج البشرية من هذا النفق المظلم. ونادى سعادته بأهمية أن يلتزم الجميع بخلق ودعم التوجه نحو توفير بيئة مشجعة للنمو في المشهد الاقتصادي العالمي من خلال إبداء حسن النوايا وتضافر الجهود الخلاقة لضمان استقرار واستمرار الاقتصاد العالمي في الازدهار والتطور وفق معايير الجودة المطلوبة في الأداء من خلال استراتيجيات وخطط عمل محكمة. ومضى سعادته قائلاً إن العالم الآن عند مفترق طرق بسبب تسارع وتيرة تغير الواقع العالمي بسبب المستجدات على الساحتين السياسية والاقتصادية ما فرض تغير القانون الذي يحكم الملعب الدولي. وبالضرورة ولا شك أن تغير قوانين اللعبة الاقتصادية، وبالتالي تغير القوانين التي تحكم مصالح الأفراد والدول تفرض نماذج سلوكية جديدة لحماية المصالح.
إلا أنه ولحسن الحظ فإن موضوع هذا المنتدى يحفزنا بأن نركز على شيء واحد نتشارك جميعاً في القيام به وهو إيجاد مسار واحد متفق عليه لتحقيق الرفاهية لشعوبنا من خلال توحيد الأهداف والرؤى وتحديد قواعد جديدة تحكم التعاون الاقتصادي العالمي وكيفية توظيف موارده بالاستثمارات بالطريقة المثلى التي تحقق مصالح الجميع. ثم أشار سعادته إلى أن قطاع الطاقة يمثل أولوية قصوى لدولة قطر وفي خضم هذه التغيرات هناك حديث يثار حول الجدوى الاقتصادية للبترول والغاز. كما أن احتمال أن تصبح الولايات المتحدة مكتفية ذاتياً وتصبح فقط من المصدرين مطروح ويتم تداوله.
إن المستجدات التي طرأت جعلت هناك تحولاً من الاعتماد الكلي على الطاقة النووية للبحث عن بدائل اخرى. ولكن سرعة المتغيرات في هذا المجال تركت الفاعلين الأساسيين في حالة من الدهشة والجمود والعجز عن إعادة التأقلم مع سرعة المتغيرات مما اضطر لبعض الدول للعودة مجدداً لاستخدام الطاقة النووية. وهكذا أصبح الجميع، ليس أمامهم غير خيار واحد وهو تغيير التوجه لدفع أسس جديدة وضوابط تحكم التعامل في هذا المجال مستقبلاً.
وهناك العديد من المعلومات المتناقضة والآراء التي تؤثر على المواقف والقرارات التي نتبناها ولعل ذلك يتمثل في التناقض في البيانات المتعلقة بنضوب البترول والغاز المستخرج من الصخور الزيتية حيث توقع البعض نضوب تلك الآبار بحلول عام 2030 فيما توقع البعض نضوبها بحلول أعوام 2017 – 2018 حيث يتوقع أن يكون معدل نضوب تلك الآبار في الولايات المتحدة وبريطانيا بسرعة 60% سنوياً قياساً بمعدل النضوب البالغ 6 – 7% للآبار التقليدية.
ثم تطرق سعادة الوزير إلى أنه لا يود أن يقصر حديثه على التطورات التي حدثت في مجال الطاقة فقط ولكنه أشار إلى تلك المتغيرات بهدف توضيح أن الظروف من شأنها التغير بسرعة لا نتوقعها وبالتالي تفرض علينا مستجدات علينا أن نكون جاهزين للتعامل معها من خلال التكاتف والتشاور والعمل المشترك لما فيه خير الجميع.
أعلى معدل نمو
وذكر سعادته أن دولة قطر رغم تناقض المواقف ما بين الصراعات الجيو سياسية والعقوبات الاقتصادية والمصالح التجارية التي عوقت الأداء الفعال للنظام العالمي المتعدد الأطراف تتطلع إلى أن تتمكن الجمعية العامة للأمم المتحدة من معالجة التحديات الحالية بنجاح وعلينا أن نتحمل جميعاً مسؤولياتنا الفردية ونؤديها بنجاح.
إن دولة قطر ملتزمة بأن تجعل من دورها الإيجابي المبني على الرؤية بعيدة المدى والاستراتيجيات التي تتبعها ملتزمة بأن تعظم من فوائد مواردها الاقتصادية والمالية والثقافية لمصلحة شركائها التجاريين، وبنفس القدر فإن المواطنين القطريين ينتظرون أن تسهم هذه الشراكة في نهضة اقتصادية وتطوير وتقدم تقني يساهم بالضرورة في رفاهية أهلها وتنمية الاقتصاد الإقليمي في المنطقة. إن دولة قطر ومن موقعها الاستراتيجي في المنطقة تمثل مركزاً رئيسياً ومهماً للاستثمار والتجارة. ولم تصل دولة قطر لذلك إلا من خلال رؤية قطر 2030 القائمة على تحرير الاقتصاد القطري تماماً من الاعتماد على النفط والغاز كمصادر للدخل.
وتعمل دولة قطر التي يتميز اقتصادها بواحدة من أعلى معدلات النمو ضمن اقتصادات العالم حيث يقدر معدل النمو بحوالي 22% خلال الفترة 2006 – 2013 علي تحقيق كافة أهدافها التنموية المضمنة في رؤية قطر2030. ويتلازم مع هذا انعدام أي أرقام مسجلة للبطالة وفي ظل سيطرة تامة على التضخم.
وليس ذلك بمستغرب إذا علمنا أن دولة قطر قد سجلت في عام 2010 أعلى معدل نمو في العالم وليس منطقة الخليج فقط، بجانب أعلى معدلات الائتمان المصرفي حيث نالت مصارفها معدلات AA andAa2. لذا فهي تعتبر المركز الأول للتمويل في منطقة الشرق الأوسط بينما تأتي في المرتبة 26 على مستوى العالم في مجال التمويل.
ومضى سعادة الوزير قائلاً إننا نوجه معظم إيراداتنا للاستثمار الداخلي والخارجي بطريقة متوازنة تضمن لنا تحقيق الأهداف بعيدة المدى وقصيرة المدى. فعلى الصعيد الداخلي نستثمر ما بين 90 – 110 مليار دولار في البنى التحتية والتنمية الصناعية ونخطط لإنجاز العديد من المشاريع العملاقة عبر استثمارات ضخمة تتم على ثلاث مراحل مدروسة وقائمة على برامج وخطط .
المرحلة الأولى
ففي المرحلة الأولى نهتم بالإنشاءات الجديدة وتنمية وتحديث البنى التحتية المتوفرة حالياً بحيث تحقق هذه المشاريع وفي هذه المرحلة عائداً يقدر ما بين 70 – 80 مليار دولار.
المرحلة الثانية
أما في المرحلة الثانية والتي تتضمن مشروعات ذات صلة بالبنى التحتية وقطاع الخدمات والنشاطات التشغيلية الأخرى بما يضمن تحقيق إيرادات تتراوح ما بين 130 – 140 مليار دولار، بحيث ننتقل إلى المرحلة الثالثة التي توفر فرصاً ضخمة لمجتمع الأعمال بمختلف قطاعاته للاستفادة من تطوير البنى التحتية والهياكل والمؤسسات الخدمية الاجتماعية وتحقيق أرباح وفيرة.
ولعل اكثر القطاعات التي توليها دولة قطر أهمية خاصة وتتجه لها الاستثمارات هي: المشاريع المرتبطة بكأس العالم 2022 الذي يعتبر جزءاً صغيراً من خططنا وطموحاتنا الممثلة في المشروعات التي سيتم تنفيذها في مجالات أخرى كالسياحة وما يرتبط بها من خدمات ومجمعات سياحية، الطاقة، التمويل والتأمين، الرعاية الصحية، التعليم والبيئة. ومن المهم أن نشير إلى أن دولة قطر تولي أهمية قصوى لقطاعات التعليم والصحة والبيئة.
لذا تشجع الدولة القطاع الخاص المحلي والإقليمي والدولي ورجال الأعمال والشركات العالمية للدخول في استثمارات فردية أو شراكات في مجال التعليم وخدماته والرعاية الصحية وترى أن هذه الاستثمارات ستدر على المستثمرين عوائد مجزية.
وتقف المدينة التعليمية شاهداً ودليلاً على هذا الاهتمام بما تضمه من فروع لأرقى جامعات العالم ومراكز البحث العلمي والمدارس المنشأة على أحدث وسائل التقنية التعليمية لخلق أجيال مؤهلة للمنافسة في الاقتصاد العالمي ولديهم القدرة على الإبداع والابتكار، هذا بجانب ما يخصص للقطاع الصحي ومقداره 4 مليارات دولار ضمن هذه الميزانية بحيث يتم إنجاز برامج ومشاريع الرعاية الصحية على أعلى مستوى ومطابقاً للمواصفات العالمية.
الاستثمار الخارجي
وقد وجهت دولة قطر جل مواردها المالية للاستثمار الخارجي لدعم النهضة ونمو اقتصادات العديد من شركائها التجاريين عام 2013، وهناك متسع لمزيد من الاستثمارات في العام 2014. وقال سعادته نحن نشجع شركاءنا التجاريين على مزيد من التحرك والتفاعل لزيادة حجم ومعدل التبادل التجاري بين كل الأطراف بهدف خلق وتطوير مزيد من الأسواق الإقليمية في وسط وغرب القارة الآسيوية ونعمل على تيسير التبادل التجاري بين الشرق والغرب.
ثم نوه سعادته إلى أن دولة قطر وهي توظف جل مواردها للاستثمار في اقتصادات شركائها التجاريين تتطلع إلى شركائها لاستثمار معارفهم وخبراتهم في الأسواق القطرية ومشاركة المستثمرين القطريين في خبراتهم ومعارفهم العلمية وخاصة مع الأجيال الناشئة في مجال ريادة الأعمال ولدينا العديد من المشاريع المزمع تنفيذها في إطار تحديث وتطوير مجتمعنا اقتصادياً واجتماعياً وثقافياً .
وقد درجت دولة قطر من خلال تاريخ طويل وتجربة عميقة على التعامل مع شركائها من خلال الثقة المتبادلة والشفافية والتضامن وتقديم أقصى ما تستطيع لدعم شركائها. وذكر سعادته أن رؤية قطر لا تقتصر على معطيات واعتبارات الاقتصاد الجزئي وتحقيق المنافع الفردية ولكنها تقوم على تحقيق استقرار الاقتصاد الكلي وخاصة في محيط الدول التي يمكن أن تنشأ معها شراكات جادة وناجحة في تحقيق مصالح كل الأطراف.
وختم سعادته كلمته مؤكداً تطلع دولة قطر لاقتصاد عالمي قائم على التعاون البناء وان لا يقتصر فقط على النشاطات المالية والاقتصادية بل لعلاقات تقوم على الجوانب الإنسانية التي تتجاوز المصالح الاقتصادية والمالية بهدف تحقيق رفاهية الإنسان في كل مكان على قدم المساواة بين الجميع، وبما يجعل الجميع رابحين.