بدأ القطاع السياحي المصري يشهد تعافياً ملموساً خلال الموسم الصيفي الحالي، على خلفية مجموعة من العوامل الداعمة التي أدت إلى ارتفاع معدلات الإشغال في الفنادق وزيادة عدد السائحين، إلى جانب زيادة معدلات الدخل والإنفاق وفقاً لإحصاءات وزارة السياحة المصرية.
وشكلت السياحة العربية الوافدة لمصر هذا الصيف، خاصة من بلدان الخليج العربي وفي مقدمتها الإمارات والسعودية والكويت، العنصر الأبرز في الانتعاشة للقطاع السياحي في مصر، حيث ارتفع إجمالي عدد السائحين العرب بنسبة 300٪ خلال الموسم الجاري مقارنة بالأعوام الثلاثة الماضية، حيث زار البلاد منذ مطلع يونيو الماضي وحتى الآن نحو المليون ونصف المليون سائح عربي.
ورغم تركز السياحة العربية بصفة عامة في المنتجعات السياحية على شواطئ البحر الأحمر، خاصة في «مرسى علم» التي تستقطب السياحة الكويتية بدرجة أساسية ووجود مطار خاص بها يستقبل رحلات الشارتر، وكذلك مناطق شرم الشيخ، إلا أن الوجود السياحي العربي في المدن الكبرى والقديمة خاصة في القاهرة والإسكندرية أصبح ظاهراً وبقوة لاسيما خلال شهري يوليو وأغسطس.
وبالتوازي مع تدفق السياحة العربية على مصر، شهدت السياحة الوافدة من بلدان أوروبا الغربية وروسيا وشرق آسيا نمواً ملحوظاً في الفترة الأخيرة، خاصة مع إقدام العديد من هذه الدول على رفع حظر مواطنيها إلى مصر، ومنها إيطاليا واليابان التي أصدرت قرارات رسمية بذلك، ودولاً أخرى تعمل على تشجيع مواطنيها على استئناف رحلاتهم إلى مصر لأسباب سياسية واقتصادية، تتمثل في رغبة هذه الدول في تطوير علاقات التعاون مع مصر في المرحلة القادمة، وفي مقدمة هذه البلاد روسيا الاتحادية، حيث تشكل السياحة الروسية لمناطق البحر الأحمر نسبة تزيد على 30٪ من إجمالي السياحة الوافدة إلى هذه المناطق.
في الوقت نفسه، لعبت عوامل داخلية سياسية واقتصادية دوراً واضحاً في عودة الانتعاش السياحي، وفي مقدمة هذه العوامل ارتفاع معدلات الاستقرار السياحي والأمني في البلاد، وإطلاق مشروع قناة السويس الجديدة، حيث يشكل ذلك نوعاً من الرسالة السياسية الإيجابية إلى العالم الخارجي بشأن عودة الاستقرار إلى البلاد والانطلاق إلى عملية إعادة البناء والتنمية، ومن ثم بدأ منظمو الرحلات الأجانب في وضع المقاصد المصرية مجدداً على خريطة الحجوزات المستقبلية لعملائهم.
خفض تكلفة البرامج
أما العامل الثاني، فيتمثل في عمليات خفض الأسعار المتتالية التي اضطرت إليها الفنادق وشركات السياحة المصرية عبر تقديم برامج مخفضة لجذب السائحين ولتعويض الخسائر التي مرت بها معظم المنشآت السياحية في البلاد في السنوات الثلاث الماضية، وكذلك انخفاض سعر الجنيه المصري أمام الدولار، الأمر الذي جعل تكلفة البرامج السياحية إلى مصر منخفضة بالنسبة للسائح الأوروبي على وجه الخصوص، مما يفسر عودة السياحة الأوروبية بقوة في الفترة الأخيرة.
وتتوقع هيئة تنشيط السياحة المصرية أن تستفيد الحركة الوافدة إلى مصر كامل عافيتها خلال الموسم الشتوي القادم الذي يبدأ مع مطلع شهر أكتوبر المقبل، كذلك على ضوء تأكيدات واردة من منظمي الرحلات السياحية العالمية، وتحسن صورة مصر خارجياً بفعل مجهود دبلوماسي وحركة سياسية نشطة تؤكد على تراجع الإرهاب وعودة الأوضاع الطبيعية إلى البلاد، وتنامي حالة الالتفاف الشعبي حول النظام السياسي الجديد، خاصة بعد إطلاق عدد من المشروعات التنموية الكبرى التي بات يشعر معها المصريون بأمل كبير في تحسن أوضاعهم مستقبلاً وإمكانية عودة النمو للاقتصاد.
وتبرهن هيئة التنشيط السياحي على ذلك بحالة الاستقبال الجيدة التي تلتقها الأجنحة المصرية المشاركة في بورصات السياحة العالمية خاصة في لندن وبرلين، إلى جانب جهود تبذلها مكاتب الهيئة في بلدان شرق آسيا التي أصبحت تمثل مصدراً مهما للسياحة الوافدة إلى مصر مع استمرار تحسن الأوضاع الاقتصادية لمواطني هذه الدول خاصة الصين واليابان وكوريا الجنوبية وتايوان.
وتأمل وزارة السياحة المصرية في أن يتجاوز عدد السائحين هذا العام حاجز الأربعة عشر مليون سائح بمجموع دخل يبلغ 12 مليار دولار بنسبة ارتفاع قدرها 35٪ مقارنة بأرقام العام الماضي، حيث تكشف المؤشرات زيادة عدد السائحين بهذه النسبة إلى ارتفاع متوسط إنفاق السياحة العربية في الليلة الواحدة، الأمر الذي يعني زيادة إجمالي الدخل السياحي والذي يعوض بدوره انخفاض نسبة الأشغال في بعض المناطق، حيث تبلغ النسبة الحالية 65٪ في المتوسط ترتفع قليلاً إلى 70٪ في الإسكندرية والساحل الشمالي الغربي هذه الأيام بينما تنخفض إلى حدود نسبة 40٪ في الغردقة والأقصر وغيرها من المقاصد السياحية الشتوية.
مؤشرات التعافي
ويرى خبراء اقتصاديون أن ظهور مؤشرات التعافي السياحي في مصر في الفترة الأخيرة يعني تنامي درجة الاستقرار السياسي والأمني، وأن الأمور تمضي في الاتجاه الصحيح، وأن حركة الاقتصاد الكلي باتت طبيعية ولم يعد هناك عوامل استثنائية تؤثر سلباً على هذه الحركة، مشيرين إلى أن هذه العودة الجيدة للحركة السياحية تبرر على نحو قاطع عودة ضخ الاستثمارات في البنية التحتية للقطاع السياحي.
وبدأ العديد من المستثمرين في بناء فنادق جديدة- 70 ألف غرفة تحت الإنشاء – وكذلك دخول مزادات للحصول على أراض في جنوب سيناء والبحر الأحمر، حيث من الملاحظ دخول شركات عربية جديدة مجال الاستثمار السياحي والفندقي في مصر في الشهور الأخيرة، استناداً لتوقعات بوصول أعداد السائحين إلى معدلات قياسية في غضون السنوات الخمس المقبلة.
وقال هؤلاء الخبراء: إن المساندة التي تلقاها القطاع السياحي، سواء من الحكومة في شكل إعفاءات ضريبية وتأجيل سداد أقساط ثمن الأراضي وغيرها أو من الجهاز المصرفي والمجتمع المدني عبر تقديم تمويل ميسر للمشروعات والدخول في جدولة وتسويات لمديونيات بعض الشركات ساهم في تعزيز صمود القطاع السياحي في وجه الأزمة في السنوات الأخيرة.
ويمكن القول: إن الأزمة مرت بسلام وبأقل خسائر ممكنة، حيث إن الخسائر تمثلت فقط في تراجع مداخيل الفنادق والشركات والمزارات بينما بقيت البنية التحتية للقطاع على قوتها ولم يحدث لها أي تغير، مما يعطي أملاً كبيراً في إمكانية استعادة النمو خلال مدى زمني قصير وإمكانية استيعاب أي زيادة في الحركة السياحية الوافدة إلى البلاد في أي وقت.
ارتفاع نسبة الإشغال
ويؤكد إلهامي الزيات- رئيس اتحاد الغرف السياحية المصرية- أن القطاع السياحي يشعر بالتحسن في الفترة الأخيرة مع زيادة أعداد السياحة العربية الوافدة، حيث شهدت أعداد السياح العرب نمواً بنسبة 300٪ دفعة واحدة، وهي معدلات لم تحدث منذ سنوات بعيدة، وتقترب فنادق القاهرة والإسكندرية من نسبة إشغال تقترب من مئة بالمئة، وبالتالي يمكن القول أن هناك تحسنا كبيرا.
وقال الزيات: إن إطلاق مشروع قناة السويس الجديدة يعطي رسالة إيجابية للعالم عن مصر، الأمر الذي يمكن استثماره جيداً من جانب القطاع السياحي في تصدير صورة جيدة عن البلاد للأسواق الخارجية، مشيراً إلى أن هذا المشروع إلى جانب مشروعات أخرى سوف يقدم دعما مباشرا للقطاع السياحي عند تشغيله من خلال إمكانية التوسع السياحي في المناطق الجديدة وتوفير مصادر متجددة من الزوار، وعلى سبيل المثال يمكن تنظيم رحلات اليوم الواحد لأطقم السفن العابرة للقناة بعد إتمام المشروع الجديد، لاسيما مع خفض زمن العبور وبالتالي يحدث نوع من الاستفادة المباشرة.
وأوضح الزيات أن الإنفاق المرتفع للسائح العربي الذي يزور مصر حالياً لعب دوراً حاسماً في تعويض جانب من الخسائر التي منيت بها المنشآت السياحية في السنوات الماضية، وكذلك تعويض الإنفاق المنخفض لبعض أنواع السياحة، لاسيما الوافدة من بلدان شرق أوروبا مثل أوكرانيا ورومانيا وغيرها، وبالتالي نحن أمام حالة تحسن جيدة يجب البناء عليها لتطوير أوضاع القطاع السياحي بصفة عامة.
البنوك تقدم الدعم وحول هذه المساندة من جانب الجهاز المصرفي في مصر للقطاع السياحي، يقول محمد بركات، رئيس اتحاد المصارف العربية: البنوك قدمت كل الدعم لحماية الفنادق والمنتجعات والشركات طيلة السنوات الثلاث الماضية، حتى لا تتعرض للانهيار بعد أن أوشكت على الإفلاس وعجزت عن سداد رواتب العاملين لديها، وتم إطلاق ثلاث مبادرات للمساندة المصرفية للقطاع السياحي، شملت تأجيل سداد قروض، وخفض نسبة الفوائد، إلى جانب انجاز عمليات إعادة جدولة ديون العديد من المنشآت مما ساعدها على الصمود.
وقال: إن البنوك لا تزال تقدم التمويل اللازم للقطاع السياحي رغم كل الظروف التي واجهها القطاع، وأن هناك 170 ألف غرفة فندقية جديدة يجري بناؤها بتمويل مصرفي في أحيان كثيرة، وكل ذلك اقتناعاً بجدوي هذا القطاع للاقتصاد المصري الآن ومستقبلاً، مشيراً إلى أن مصر تخطط للوصول بعدد السائحين إلى 20 مليون زائر سنوياً بحلول عام 2020، وهؤلاء في حاجة إلى بنية تحتية قوية وفنادق جديدة، وهو ما يجري العمل من أجله الآن.