تعد اقتصادات دول الخليج حالة خاصة بين الاقتصادات ذات الدخل العالي، إذ إن حصة صادرات التكنولوجيا من إجمالي صادراتها لا تزال ضئيلة، ولا مؤشرات على تغيّر هذا الحال في المستقبل بسبب المستوى المتدني للإنفاق على البحوث والتطوير في مجال التكنولوجيا وقلة عدد براءات الاختراع التي تسجل، إذ إن هاتين الظاهرتين مماثلتان لما نجده في الإقتصادات ذات الدخل المنخفض.
وأشار الخبير في شركة " آسيا للاستثمار " جوردي روف في تقرير إلى أن " الاستثمار في البحوث والتطوير يؤثر إيجابياً في حجم تصدير التكنولوجيا، بما أنه يؤدي إلى زيادة إمكانات الإنتاج المعتمدة أساساً على التكنولوجيا، إضافة إلى أن كلما كانت حصة التكنولوجيا كبيرة في حجم التصدير، كلما ارتفع دخل الفرد، ولكن هذا النموذج لا ينطبق على بعض تلك الدول ".
وأضاف أن " كل من إندونيسيا وماليزيا والفيـــليبين تعـــد مـــن بين الدول الآسيوية التي كسرت قاعدة ارتباط حجم تصدير التكنـــولوجيا بالعوامل التي تدفع إلى تصـــديرها، فحجم تصدير التكنولوجيا منهـــا كبـــير جداً مقارنـــة بحجـــم الإنفــــاق على البحوث والتطـــوير وعدد براءات الاختراع، وهـــذا الواقع المعاكس يُفسّر بأن هذه الدول لم تطور شبكة متينة من الشركات الوطنية التي يمكنها تطوير التكنولوجيا ".
وأضاف: " قبل الركود العظيم، كانت أكثر من 70 في المئة من البضائع المصدرة تذهب إلى اقتصادات ذات الدخل العالي، وبعضها كان على شكل سلع ذات قيمة مضافة متدنية على رغم أنها منتج تكنولوجي، والسبب أن الشركات من الدول المتقدمة استعانت بهذه الدول كمصادر خارجية للإنتاج لتدني تكاليف الإنتاج، واستمرت هذه الشركات في توفير الخدمات ذات القيمة العالية في بلد إنشائها ".
وأشار إلى أن " دول مجلس التعاون الخليجي، ودول آسيوية ذات دخل منخفض مثل الهند، لديها مستوى ضئيل من تصدير التكنولوجيا والإنفاق على البحوث والتطوير، كما أن 80 في المئة من البضائع المصدرة من دول الخليج هي من النفط، بينما 75 في المئة من البضائع المصدرة من الهند هي من السلع الغذائية والصناعية ".
تطوير قطاع التكنولوجيا يمكّن دول الخليج من خفض اعتماده على النفط
وعلى عكس دول الخليج، تَظهر كوريا الجنوبية وسنغافورة وتايوان وهونغ كونغ كاقتصادات ذات دخل عالٍ، إذ تمكّنت من تطوير نموذج عالي الجودة للنمو، ما دفع أداءها القوي في قطاع التكنولوجيا، وبالتالي حققت مستوى متقدماً في تصدير التكنولوجيا ذات الجودة، وأيضاً في الناتج المحلي الإجمالي للفرد الذي يتجاوز 25 ألف دولار.
ولفت روف إلى أن " الصين بدأت ترسم توجهاً مشجعاً في مجال التكنولوجيا بزيادة الإنفاق على البحوث وبزيادة حجم السلع التكنولوجية التي تصدرها، إذ تضاعفت نسبة التكنولوجيا من الناتج المحلي الإجمالي ثلاث مرات في 15 عاماً، وكان تضاعف الإنفاق على البحوث والتطوير وأيضاً حجم براءات الاختراع مماثلاً، أي أن العملاق الآسيوي يتجه إلى تطوير أعمال محلية تؤثر إيجاباً في مؤشرات البحوث والتطوير كما في الدخل». ويمكن القول إن الصين تتوجه إلى نموذج يطابق ما نراه في اقتصادات ذات الدخل العالي.
ومنذ تسعينات القرن الماضي، استطاعت اقتصادات مثل كوريا وسنغافورة تحسين مستوى الدخل في شكل ملحوظ عبر الاستثمار في البحوث والتطوير وتسجيل أعداد كثيرة من براءات الاختراع، إذ تَظهر البحوث كأحد المسارات التي تؤدي إلى التطوير الصحي وتنعكس على مستوى الدخل كما الحال في الصين.
وختم: " تشير هذه الأمثلة إلى أن اعتماد إستراتيجية تطوير قطاع التكنولوجيا محلياً من خلال موارد القطاع الحكومي أو الخاص، ستفيد دول الخليج بحيث تمكّنها من خفض اعتمادها الكبير على القطاع النفطي ".