في مبادرة هي الأولى من نوعها في لبنان والمنطقة، وبرعاية فخامة رئيس الجمهورية اللبنانية، العماد ميشال سليمان، ينعقد المؤتمر الدولي حول المسؤولية الإجتماعية للشركات بعنوان “مؤتمر بيروت – إقتصاد لخدمة الإنسان” الذي يقيمه الإتحاد العالمي لأرباب العمل المسيحيين (UNIAPAC) بالتعاون مع الملتقى الإسلامي المسيحي لرجال الأعمال في لبنان (MA’AM)، يومي 25 و 26 آذار 2013 في فندق هيلتون الحبتور، سن الفيل. وسيجمع هذا المؤتمر الدولي نخبة من رجال الأعمال والإقتصاديين من لبنان والعالم العربي وأوروبا والأميركيتين في حوار يهدف إلى بلورة رؤية جديدة للمسؤولية الإجتماعية للشركات، تستند إلى مبادئ العدالة الإجتماعية وتضع الإقتصاد في خدمة الإنسان تعزيزاً لمفاهيم الشفافية والمسؤولية وروح المبادرة.
_____________________________________________________________________________________
لهذه المناسبة، أجرى الموقع مقابلة مع رئيس الإتحاد العالمي لأرباب العمل المسيحيين، بيار لوكوك، فيما يلي ما دار فيها:
متى تأسّس الإتحاد العالمي لأرباب العمل المسيحيين، وما هي أهدافه؟
تأسّس الإتحاد في العام 1931 تحت إسم “المؤتمر العالمي لإتحاد أرباب العمل الكاثوليك”، بعضوية إتحادات هولندا وبلجيكا وفرنسا، ومراقبين من إيطاليا وألمانيا وتشيكوسلوفاكيا.
وبعد الحرب العالمية الثانية، توسّع الإتحاد ليضم في عضويته دولاً أوروبية أخرى، ومن ثم دولاً من أمريكا اللاتينية. وفي العام 1962 أصبح الإتحاد مؤسّسة مسكونية وتغيّر إسمه إلى “الأتحاد المسيحي الدولي للمديرين”. ومع مرور الأيّام، بات الإتحاد يضم ممّثلين من دول أفريقية وآسيوية.
وفي سبعينات القرن الماضي، إتخّذ الإتحاد إسمه الحالي (UNIAPAC). وفي العام 1975 تحديداً، أطلق الإتحاد الحوار بين الكنائس والشركات المتعدّدة الجنسيّات على خلفيّة الوعي المتزايد للدور الذي يلعبه رجال وأصحاب الأعمال والشركات في المجتمع. ويمتلك الإتحاد اليوم علاقات مع جميع المنظّمات الحكومية وغير الحكومية في العالم التي تعمل في مجال الإقتصاد وإدارة الأعمال، بالتوازي مع علاقاته مع الكرسي الرسولي ومجلس الكنائس العالمي. ويشارك الإتحاد بصفة ضيف دائم في في مؤتمر الأعلام (Conference of ICOs). ولكونه منظّمة غير حكومية، يتمتّع الإتحاد بصفة إستشارية لدى كل من مؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية (UNCTAD)، ومنظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة (UNESCO)، ومنظّمة العمل الدولية، والمفوّضيّة الإقتصادية لأميركا اللاتينية.
يسعى الإتحاد لأن يكون شاهداً على أنّ الفعالية الإقتصادية وتحقيق الذات بالمعنى المادي يمكن أن يسير بالتوازي مع القناعات الروحية، وأنّ قادة الأعمال مدركون تماماً لمسؤولياتهم تجاه المجتمع والقيم الروحية على حد سواء. ويؤمن أعضاء الإتحاد الذي يجمع أرباب العمل المسيحيين الذين يتشاركون القيم الروحية ذاتها، يؤمنون أنّ الإنسان هو الغاية وليس الوسيلة حينما يتعلّق الأمر بالإقتصاد. وإنطلاقاً من إلمامهم الكامل بواقع إقتصاد السوق، يترجم أعضاء الإتحاد قناعتهم هذه التي يرون أنّها لا تساهم في بناء عالم أفضل فحسب، بل تساهم بشكل مباشر في تنمية أعمالهم وتطويرها.
ما هي أهداف الإتحاد على المستوى الدولي؟
يمكن تلخيص أهداف الإتحاد على المستوى الدولي بالنقاط التالية:
- تأمين صلة وصل تجمع كافة إتحادات أرباب العمل المسيحيين حول العالم من أجل تعزيز وتسهيل التواصل والتفاعل بينهم.
- رعاية تأسيس إتحادات جديدة لأرباب العمل المسيحيين في مناطق مختلفة من العالم.
- ترويج ونشر رؤية الإتحاد حول الإقتصاد الذي يخدم الإنسان بالتعاون الوثيق مع المؤسسات الدولية.
ما هي رؤيتك للعلاقة بين الدين والأعمال، كيف يلتقيان، وكيف يتكاملان، وما هو دورهما في خدمة المجتمع؟
إنّ القناعات الدينية هي مسألة ذات خصوصية لكل فرد، وهي توجّه هذا الفرد في سلوكه وتنظّم علاقاته مع الآخرين، فيما أنّ جوهر الأعمال هو العلاقة بين البشر. والإيمان بأنّ جميع البشر هم أبناء الله يقودنا إلى الإعتقاد بأنّ كل فرد يستحق أقصى حد ممكن من الإحترام ولا يمكن التعامل معه بصفته أداة أو وسيلة لتحقيق غاية ما. في المقابل يمكن للأعمال بما تشكله من تقاطع بين السلطة والمال والنفوذ والمنافسة أن تؤدي إلى تسليع الإنسان ونزع صفته الإنسانية عنه من أجل تحقيق أطماع شخصية كما هو حاصل على نطاق واسع اليوم.
لكن وفي مقابل هذا الواقع، فإنّ العالم في تغيّر متسارع بفعل العولمة وتطوّر تكنولوجيا الإتصالات وما ينتج عن ذلك من حاجة متزايدة للسرعة في إتخاذ القرار، حيث بتنا نلحظ أنّ القيّمين على الأعمال باتوا في حاجة أكثر إلى الثقة بموظفيهم، والإعتماد عليهم أكثر فأكثر للحاق بالركب، أي أنّ هناك حاجة أكيدة للولاء، وهو ما لا يتوفّر بدون وجود الإحترام. كما أنّ العلاقة التي تقوم على الثقة المتبادلة ينتج عنها فهم متبادل للمصلحة المشتركة، بين العامل ورب العامل، وبالتالي على مستوى العالم المتداخل اليوم بشكل لم سبق له مثيل من قبل. فعناوين مثل التحديّات البيئية، والحق في الوصول إلى الموارد الطبيعية، والنمو السكّاني، والهجرة، وغيرها هي عناوين تكاد تعني كل فرد من البشرية على كوكبنا اليوم.
ماذا يمكنك أن تخبرنا عن عضوية الإتحاد ونشاطه بشكل عام؟
يجتمع روّاد الأعمال وأرباب العمل المنضوين تحت عضوية الإتحاد شهرياً في مجموعات صغيرة ويشاركون في مؤتمرات وندوات تنظّمها الفروع الوطنية للإتحاد لتبادل الخبرات والتجارب، ومراجعة الملاحظات، وتبادل الآراء حول أفضل الممارسات لأنسنة الأعمال بوحي من إيمانهم المشترك والقيم الإجتماعية المسيحية التي يستوحونها من تعاليم الكنيسة. كذلك تقوم الإتحادات المحلية بتنظيم إجتماعات على المستوى الوطني للحوار مع الأطراف الفاعلة في المجتمع كوسائل الإعلام والجامعات والمؤسّسات الحكومية من أجل نشر رؤيتهم حول الإقتصاد في خدمة الإنسان.
ما هي الهيكلية التي يعتمدها الإتحاد؟
يدير الإتحاد مكتب تنفيذي دولي يرأسه رئيس مجلس الإدارة، وهو الموقع الذي أشغله منذ العام 2009، ويعاونه 3 نوّاب للرئيس يمثّلون القارات الثلاث التي يشملها الإتحاد، أي أمريكا وأوروبا وأفريقيا. ينتخب أعضاء المكتب مرة كل سنتين، وهو يضم رؤساء مختلف الإتحادات المنضوية تحت راية الإتحاد الدولي. ينظّم الإتحاد مؤتمره الدولي مرة كل 3 سنوات، وقد أقيم المؤتمر الأخير في مدينة ليون الفرنسية في آذار من العام 2012، وسيقام المؤتمر المقبل في مدينة بيلو هوريزونتي البرازيلية في العام 2015.
كيف تبلورت فكرة مؤتمر بيروت، ولماذا جرى إختيار لبنان بالذات لعقد مؤتمر من هذا النوع؟
لقد هزّت العالم أزمة إقتصادية هي في حقيقتها أزمة وعي أخلاقي وفقدان للحسّ الإنساني، وتفاقمت لتهدّد الإقتصاد العالمي عموماً، وإقتصاد القارة الأوروبية ومنطقة المتوسط على نحو خاص. وهناك الكثير من أرباب العمل المسلمين الذين يشاركوننا هذا الفهم، وإن كانوا لم ينتظموا في إتحاد على شاكلة إتحادنا. وقد نشأت مؤخراً شراكة بيننا وبين الملتقى الإسلامي المسيحي لرجال الأعمال في لبنان (م.أ.م)، ومؤسّسة كونراد أديناور الألمانية التي تعمل مثلنا على نشر فكرة الإقتصاد الإجتماعي حول العالم، و مركز الملك فيصل للبحوث الدراسات الإسلامية، وإتحاد غرف التجارة العربية، من أجل ترجمة هذا الفهم المشترك.
وقد وضعنا نصب أعيننا هدفين، هما تقريب المسافة بين مجتمع الأعمال المسيحي ومجتمع الأعمال المسلم، وإثبات أنّ الإنسان في فهم كلا الديانتين هو المبتدأ والمنتهى في التنمية الإقتصادية الإجتماعية.
وليس إختيار لبنان كمكان لإنطلاقة هذا المؤتمر محض صدفة، وهو “البلد الرسالة” كما كان يردّد دوماً قداسة البابا يوحنا بولس الثاني، وهو المختبر الذي نرى فيه النظرية موضع التطبيق، والحوار ممارسةً يوميةً لا تنقطع. ونحن نأمل أن يكون هذا المؤتمر إشارة للسلام في عالم اليوم الممزّق، ولبنان يتمتّع برمزية خاصة تؤهّله لإطلاق هذه الرسالة.
من هم أهم المتحدّثين الذين سيطّلون من على منبر المؤتمر؟
لا بد من الإشارة بداية إلى أنّ هذه المبادرة قد قوبلت بحفاوة بالغة ما سمح لنا بأن نجمع نخبة من المتحدثين الأعلام البارزين جداً على المستوى الدولي مثل باسكال لامي، مدير عام منظّمة التجارة الحرّة، ولويس جالواس، الرئيس السابق لشركة الفضاء والدفاع الجوي الأوروبية، وصاحب السموّ الملكي الأمير تركي الفيصل، رئيس مجلس إدارة مركز الملك فيصل للبحوث والدراسات الإسلامية، والوزير السابق جورج قرم، وحاكم مصرف لبنان رياض سلامة، وبطبيعة الحال فخامة رئيس الجمهورية اللبنانية العماد ميشال سليمان.
ما هي توقّعاتكم من المؤتمر، وما هي دعوتك لمجتمع الأعمال؟
إنّ محور المؤتمر حول المسؤولية الإجتماعية للشركات وأنسنة الإقتصاد يعني بالدرجة الأولى أصحاب الأعمال. سيبدأ المؤتمر بتخصيص النصف الأول من يومه الأول لمناقشة قضية الإقتصاد العالمي والعالم العربي الذي يعيش تداعيات ما بات يعرف بالربيع العربي. ومن ثم يتابع أعماله في حوار مع أهل الإعلام الذين نعتقد أنّهم مخولون نقل وتوجيه الرسالة الإنسانية.
كذلك سيشهد المؤتمر تركيزاً كبيراً على دور رب العمل والقائد في تطوير ثقافة الأعمال والمؤسّسات، كيف ينعكس سلوكهم داخل المؤسّسة على ذلك، وسنستعرض وجهات النظر حول ذلك، إضافة إلى مناقشة مستقبل الأعمال في مجتمعاتنا. فنحن نعتقد أنّ لأرباب العمل دوراً رئيسياً في تحقيق أهداف الإتحاد على صعيد وضع الإقتصاد في خدمة الإنسان.