تدق التوقّعات المستقبليّة ناقوس الخطر حول تأثيرات تغيّر المناخ على توافر الموارد المائيّة في دول جنوب البحر المتوسط. وفي بلد مثل لبنان، يكفي أن ترتفع الحرارة درجة مئويّة واحدة، لينخفض المعدّل الحالي للموارد المائيّة حوالى 250 مليون متر مكعّب في السنة
بسام القنطار
قبل شهرين من انعقاد قمة تغيّر المناخ في قطر، استضافت العاصمة الأردنية عمان ورشة عمل إقليمية حول «تحديد وتطوير الإجراءات المرضية لمواجهة ظاهرة التغير المناخي في قطاع المياه»، وذلك في إطار مشروع «الإدارة المستدامة المتكاملة للمياه» والمموّل من المفوضية الأوروبية بميزانية إجمالية بلغت 22 مليون يورو. ويعمل هذا البرنامج في بلدان جنوب البحر المتوسط بهدف المساهمة في تنفيذ سياسات وممارسات الإدارة المستدامة للمياه في هذه البلدان. ومن بين الجهات المنفذة للمشروع وزارة الطاقة والمياه اللبنانية.
الخبير الفرنسي المتخصص في قضايا المياه والتغيرات المناخية، إستيفان سيمونيه، لفت خلال الورشة الى أن دول الجنوب يجب ألا تنتظر مفاوضات الدول الأطراف الموقعة على اتفاقية الامم المتحدة الإطارية حول تغير المناخ، لأن هذه المفاوضات المستمرة منذ سنوات لن تستطيع إنقاذ العالم من المخاطر التي تسببها التغيرات المناخية، وعلى كل دولة أن تبادر الى اتخاذ تدابير احترازية فورية للتكيف مع ظاهرة التغير المناخي، والأهم أن تضع خططاً مائية متوسطة وطويلة الأمد تأخذ في الحسبان التأثيرات السلبية المحتملة لتغير المناخ على قطاع المياه.
وشارك في الورشة ممثلون عن الوزارات المعنية بالمياه والتغيير المناخي (المياه والري والزراعة والبيئة والصناعة والسياحة والتجارة) من كل من لبنان والاردن ومصر وتونس والجزائر والمغرب.
ويهدف مشروع «الإدارة المستدامة المتكاملة للمياه» الذي انطلق في كانون الثاني 2011 الى تشجيع الترويج الواسع لسياسات وممارسات الإدارة المستدامة للمياه في المنطقة. ويعالج المشروع أربعة محاور أساسية نصت عليها الاستراتيجية المتوسطية للمياه وهي: الإدارة، التغير المناخي، التمويل، إدارة الطلب وكفاءة الاستخدام، كما يتطرق الى قضايا المياه المرتبطة بمصادر التلوث الثلاثة التي حددتها مبادرة «أفق 2020» لخفض تلوث البحر الابيض المتوسط وهي: النفايات، الصرف الصحي، والانبعاثات الصناعية.
ويلفت الدكتور جمال عليبو الخبير الدولي في المياه وأستاذ الهندسة المائية من الجامعة الحسنية في مدينة الدار البيضاء المغربية، إلى أن مشروع المفوضية الأوروبية يهدف الى تأمين مساعدة استراتيجية للبلدان المتوسطية الشريكة للاتحاد في ما يتعلق بصياغة وتنفيذ سياسات وخطط الادارة المستدامة للمياه، بما في ذلك إجراء الحوار بين القطاعات والتشاور مع أصحاب المصالح والمساهمة في تقوية المؤسسات وتطوير المهارات اللازمة للتخطيط وإدارة المياه وتسهيل نقل المعرفة.
ولعل الرسالة الأهم التي وجهتها الورشة الى صناع القرار في قطاع المياه في دول جنوب البحر المتوسط هي «أن التشكيك وسياسة (لننتظر ونرَ) لم تعد تجدي نفعاً في ما يخص التخطيط الاستراتيجي لقطاع المياه».
وبحسب تقرير التوقعات البيئة العالمية الصادر عن برنامج الامم المتحدة للبيئة في عام 2007، سيؤثر الانحباس الحراري على المتساقطات في لبنان، وسينعكس ذلك تغيّراتٍ في توافر المياه العذبة ونوعيّتها وتدفّق المياه السطحيّة وتغذيةالمياه الجوفيّة.
وتستنتج معظم الدراسات التي تتطرق الى مسألة المياه والتغير المناخي، وبينها دراسة أعدتها وزارة البيئة اللبنانية وبرنامج الامم المتحدة الانمائي عام 2010، أنّ من المبكر جداً لمس هذه التغيّرات في المتساقطات. وكشفت الدراسات التي أجريت في منطقة الحوض الشرقي للبحر المتوسّط أنّه «لم يحصل أيّ تغيّرٍ معيّن في نمط المتساقطات، ولم يطرأ أيّ تحوّلٍ كبير على فصل الشتاء في المنطقة في خلال القرن السابق».
وتدق التوقّعات المستقبليّة ناقوس الخطر حول تأثيرات تغيّر المناخ على توافر الموارد المائيّة. وقد تطرّق التقرير اللبناني الثاني حول التغيّر المناخي إلى ثلاث مراحل: ما بين عامي 1961 و2000 وما بين 2025 و2044 وما بين 2080 و2099. وتوقع تراجع نسب المتساقطات وارتفاع الخسائر الناجمة عن التبخّر، وذلك تماشياً مع الانحباس الحراري. إذا ارتفعت الحرارة بمعدّل درجة مئويّة واحدة، فسينخفض المعدّل الحالي للموارد المائيّة الذي يُقدّر أنّ يتراوح بين 2800 مليون متر مكعّب و4700 مليون متر مكعّب، بحوالى 250 مليون متر مكعّب في السنة. وإذا ارتفعت الحرارة بمعدّل درجتين مئويّتين، فستنخفض الموارد المائيّة بمعدّل 450 مليون متر مكعّب في السنة. أمّا بالنسبة إلى تأثيرات الانحباس الحراري على الثلج فهي مأساويّة، علماً بأنّ الثلج أمر حيوي بالنسبة إلى الموارد المائيّة في لبنان، إذ يتوقّع، في حال ارتفعت الحرارة بمعدّل درجتين مئويّتين، انخفاض نسبة الغطاء الثلجي فوق منطقة نهر إبراهيم بحوالى 50 في المئة. وستتأثّر أيضاً أنماط تدفّق مياه الأنهار بشكلٍ كبير، كما ستتحوّل فترة التدفّق القصوى لمياه الأنهار من نهاية نيسان إلى نهاية شباط، وترتفع نسبة تدفّق الأنهار في الفترة الممتدّة بين كانون الأول وشباط. وفيما تنخفض نسبة ذوبان الثلوج بين نيسان وحزيران، ستنخفض نسبة تدفّق الأنهار بشكلٍ هائل خلال الفترات التي يرتفع فيها الطلب على مياه الريّ.
وسيطرح تغيّر المناخ تحدّياتٍ جديّة أمام صانعي السياسات في لبنان، وسيصبح من الضروري، لا بل من الملحّ، زيادة الموارد المائيّة على المديين القريب والبعيد، وذلك بغية الاستجابة للطلب المتزايد على الماء وللمحافظة على المنظومة البيئيّة وعلى قدرتها للتكيف مع التغيرات المناخية المرتقبة. وسيؤثّر الانحباس الحراري على كلّ الموارد المائيّة في ما يتعلّق بالكميّات المتوافرة والموعد السنوي لذروة تدفق هذه المياه، ونوعيّتها.
© Al-akhbar 2012