قبلنا ومنذ آلاف السّنوات، اكتشف أجدادنا الفينيقيّون، وبالاعتماد على أشرعتهم انطلاقًا من موانئ الشّاطئ اللبناني، التجارة الخارجيّة وطرق التجارة، وحقّقوا نجاحات من أبرزها أنّ منازل مدينة صور لم تعد تتسع للفضّة، فصاروا يراكمونها في الشّوارع، وهو الأمر الّذي جعل الغزاة يحسدون صور وصيدون وجبيل ويعملون لاحتلالها وهلاكها وتدمير أساطيلها الّتي حملت الحرف بدل الحرب إلى العالم وإقامة الأسواق والمستوطنات التّجاريّة.
اليوم تبارك المسعى لتجديد إطلاق مشروعات الاقتصاد الإغترابيّ الجماعيّة وقد حقّق لبنانيّون في أنحاء العالم نجاحات إلى درجة أنّ واحدًا منهم يوازي كلّ ديون لبنان الخارجيّة وإن لبنانيين في كلّ المجالات أصبحوا الأسماء الأبرز عالميًّا في عالم التّجارة والصّناعة والإستيراد والتّصدير والطّبّ والدّراسات والسّياسة، وأصبحوا عناوين في الدّول والمجتمعات حيث يقومون ويلتزمون الأنظمة المرعيّة الإجراء.
الآن يقع اللبنانيّون في أنحاء العالم تحت ضغط ظلّ السّياسة، وتقع إيداعاتهم وتحويلاتهم تحت الرّقابة. لا بأس، نحن متأكّدون أنّنا سنكسب هذا السّباق، وأنّ أحدًا لن يغلب اللبنانيين بخبرتهم الممتدّة لآلاف السّنوات، وهم يملكون نظامًا مصرفيًّا لم يسقط أو يتفكّك أو ينهار في السّابق تحت مختلف الضّغوط بما في ذلك الظّروف الّتي رافقت الحرب الأهليّة والاجتياحات الإسرائيليّة.
الآن، لبنان امبراطوريّة لا تغرب الشّمس عن أبنائها المنتشرين في العالم، والّذين تبلغ أعدادهم ثلاثة أو أربعة أضعاف سكّان لبنان المقيمين، إلا أنّ المطلوب بات تنظيم حضورنا العالميّ، وهو الأمر الّذي نبارك ونأمل معه انعقاد المؤتمر بعنوان: الاغتراب والاقتصاد هذا الصّيف، لعلّنا نحصد إلى جانب مواسم تيننا وزيتوننا وقمحنا مواسم تضافر عمل جماعيّ اغترابيّ مشترَك.
إنّ الاغتراب الّذي كان قرش لبنان الأبيض في الأيّام السّوداء عندما تعرّض لبنان لأخطار التّقسيم والتّفتيت، إنّ هذا الاغتراب مدعو اليوم إلى مساعدة لبنان على النّهوض من واقع المديونيّة الكبيرة ومن أخطار التّفليسة الاقتصاديّة والرّهان الكبير هو على الاغتراب لمنع تهديد لبنان في اقتصاده الحرّ.
لقد أفشل لبنان كل المؤامرات الّتي استهدفت وحدة أرضه وشعبه ومؤسّساته، وتمكّن من خلال صموده إثارة إعجاب العالم من الإستمرار رغم (تقريبًا) غياب الدّولة وأدوارها، نظرًا إلى العجز عن انتخاب رئيس للبلاد وإقصاء التّشريع (وهو ما أسمّيه تهميش الديمقراطيّة) وبعدم التّوصّل إلى قانون عصريّ للإنتخابات التشريعية، وكذلك من تجميد العمل الحكوميّ عند حدود تصريف الأعمال.
إنّ هذا الصمود العجيب، كان بفضل كلمة سرّ لبنان الّتي هي" الإغتراب، والمغترِبون الّذين لم يتوقّفوا عن دعم عائلاتهم المقيمة رغم الظروف الصّعبة الّتي تعاني منها بلدان كثيرة بسبب تدّني أسعار النفط والمعادن والأزمة الإقتصاديّة في العالم.
أيها المغتربون
أنتم الفرصة الدائمة لقيامة لبنان
أنتم طائر الفينيق اللبناني وشراع لبنان
إنّنا بانتظار مؤتمركم الّذي هو بارقة الأمل لغد أفضل للبنان
رئيس مجلس النواب
نبيه بري