بعد موافقة مجلس الأمن الدولي على رفع العقوبات الاقتصادية المفروضة على إيران، الإثنين الماضي، أصبح الطريق ممهدًا لدخول طهران في مرحلة جديدة، سوف تغير من خريطة علاقاتها الاقتصادية، لكن هناك مجموعة من التقديرات لا بد من أخذها في الاعتبار عند قراءة التضاريس الجديدة لهذه الخريطة.
لقد بنت إيران شبكة من العلاقات الاقتصادية منذ أن فُرضت عليها العقوبات الاقتصادية، اعتمدت بشكل رئيس على الاتجاه شرقًا، وتوطيد علاقاتها الاقتصادية في المنطقة العربية مع دولة الإمارات، حتى أصبحت الأخيرة أكبر منفذ لطهران على العالم تجاريًا.
وقُدر حجم التبادل التجاري بين إيران والإمارات في عام 2014، بنحو 17 مليار دولار، حققت الأخيرة منه فائضًا بقرابة 14 مليار دولار، وذلك على مدار فترة امتدت لنحو عقدين من الزمان.
كما استفادت إيران من ورقة النفط الرخيص، في مغازلة قوى إقليمية لها اعتبارها في إطار المعادلة الدولية، وهي الصين، والهند، وتركيا، فاستطاعت أن تقدم ذلك النفط، لتحصل به على مقابل من السلع والخدمات من هذه الدول، وفي نفس الوقت إيجاد آلية للالتفاف على العقوبات الاقتصادية المفروضة عليها.
يتضح أن علاقات إيران الاقتصادية شديدة التركيز في قارة آسيا، وهي علاقة تحتاج إلى وقت لكي يُعاد النظر إليها في إطار مستجدات اتفاق رفع العقوبات الاقتصادية، والذي يتضمن بلا شك فتح مجالات العلاقات الاقتصادية بين الطرفين، مما سيسمح بتكوين خريطة علاقات اقتصادية جديدة.
وعلى الجانب الآخر استطاعت إيران أن تخترق دول مجلس التعاون الخليجي مؤخرًا، من خلال اتفاقيات لتصدير الغاز الطبيعي تمتد لنحو 15 سنة، مع الكويت، وسلطنة عمان، والبحرين، وهو ما سيمهد الطريق لعلاقات تجارية واقتصادية أخرى، بعد قطيعة استمرت لأكثر من ثلاثة عقود.
ملامح التوجهات الاقتصادية الجديدة لإيران
في عالم السياسة لا يوجد شيء بلا مقابل، وقد أوجد اتفاق إيران مع الدول الكبرى، حول برنامجها النووي، واقعًا جديدًا تحصل طهران بموجبه على رفع العقوبات والحظر على أموالها المجمدة منذ عقود، وذلك نظير اشتراطات معينة لعمل البرنامج النووي الإيراني.
والأهم في المجال الاقتصادي، أن طهران ستسمح للشركات الغربية والأمريكية بالدخول إلى سوقها، وهو ما تناقلته وسائل الإعلام خلال الساعات القليلة الماضية من سعي الشركات الفرنسية والألمانية لعقد صفقات داخل الاقتصاد الإيراني، ويمكننا توقع التطورات الآتية في توجهات إيران الاقتصادية خلال المرحلة المقبلة:
1- فيما يتعلق بعلاقات إيران بالمنطقة العربية، فقد لا تشهد تحسنًا ملحوظًا خلال الفترة المقبلة، نظرًا لطبيعة هيكل التجارة الإيرانية، التي تمثل فيها الصادرات النفطية نسبة تتراوح ما بين 70% – 80%، وهو الأمر الذي يجعل من صادرات الطرفين في حالة تنافسية، فكلاهما يعتمد على تصدير النفط الخام.
2- بالنظر إلى هيكل الواردات الإيرانية نجد أن النسبة الأكبر فيه تخص استيراد العدد والآلات، وهو ما سيجعلها تتجه للدول الأوروبية وأمريكا لتعويض ما فاتها من تكنولوجيا متقدمة في هذا الجانب.
فخلال الفترة الماضية، قد تكون إيران اعتمدت على إنتاجها الذاتي، أو الاستيراد من الصين أو الهند، ولكن تبقى قضية التكنولوجيا التي تتميز بها أوروبا وأمريكا، وبلا شك فإن طهران ستكون حريصة على تحصيل هذا الجانب خلال الفترة المقبلة، لتطوير قاعدتها الإنتاجية الصناعية، التي تعاني من ضعف التطور التكنولوجي من جهة، ومن نقص العدد والآلات من جهة أخرى.
3- بعد مضي عقدين من الزمن على إنشاء منظمة التجارة العالمية، ستسعى إيران بلا شك إلى عضوية منظمة التجارة العالمية، ومن المعلوم أن أمريكا لها اليد الطولى بالمنظمة، وكذلك باقي الدول الغربية، حيث سيكون من السهل على طهران الحصول على عضوية المنظمة إذا ما تم التوافق حول العديد من المسائل المتعلقة بتوطيد العلاقات الاقتصادية والتجارية بين البلدين، فضلًا عن تطبيق بعض القواعد الخاصة بالانضمام لعضوية هذه المنظمة، من تهيئة البنية التشريعية والاقتصادية الإيرانية لمتطلبات تلك العضوية.
4- لا يخف على أحد أن الصراع الدائر بين أمريكا وأوروبا من جهة، وروسيا من جهة أخرى، أحد الأسباب القوية التي دفعت بنجاح المفاوضات بين أوروبا وإيران حول البرنامج النووي ورفع العقوبات الاقتصادية، لكون الأخيرة تعتبر مصدرًا لتعويض النقص في إمدادات روسيا من النفط والغاز لأوروبا، وبخاصة أن موسكو اتجهت بخلافها مع أوروبا وأمريكا نحو التصعيد، وإطالة الأمد، وإحياء الحرب الباردة.
وبخاصة أن إيران لديها احتياطيات هائلة من الغاز الطبيعي تصل بتقديرات نهاية عام 2013 إلى 33.7 تريليون متر مكعب، وكذلك احتياطيات من النفط تصل إلى 157.3 مليار برميل، وإن كانت أوروبا تركز بشكل كبير على الغاز الطبيعي باعتباره مصدرًا نظيفًا للطاقة، وسوف يساعد أوروبا على هذا التوظيف لإمكانيات إيران من الغاز الطبيعي والنفط، امتلاكها للاستثمارات الكافية، وكذلك التكنولوجيا المتقدمة لاستخراج النفط والغاز، وكذلك زيادة إنتاجية حقول الغاز والنفط الإيرانية.
5- على الرغم من التحسن الحادث في خريطة تدفقات الاستثمارات الأجنبية المباشرة خلال السنوات القليلة القادمة لصالح الدول الصاعدة لتصل لنحو 45% من حجم تدفق الاستثمارات الأجنبية المباشرة على مستوى العالم، إلا أن أوروبا وأمريكا لا يزال لديهما ما يمكّنهما من ضخ استثمارات تحتاجها إيران خلال المرحلة المقبلة، وبخاصة في مجال الصناعات الاستخراجية والتحويلية الخاصة بالغاز الطبيعي والنفط.