أطلق نائب الأمين التنفيذي لشؤون البرامج في اللجنة الاقتصادية والاجتماعية (اسكوا) التابعة للأمم المتحدة عبدالله الدردري، من بيروت، «برنامج أجندة وطنية لمستقبل سورية – تتضمن إطاراً استراتيجياً لبدائل السياسات لسورية ما بعد النزاع». وقال إن فكرتها «ولدت قبل انقضاء سنة على اشتعال فتيل النزاع في سورية». ووصفها بأنها «هيكل فريد لبرنامج فريد أصبح بعد ولادته موضعاً للاقتداء».
في إحدى قاعات «بيت الأمم المتحدة» الذي تحيط به اجراءات أمنية مشددة، احتشد مئات الخبراء السوريين الذين ساهموا في وضع الأجندة، وقال عنهم الدردري إنهم «من النخبة ومن مختلف المشارب من داخل سورية وخارجها، ومن أقصى الموالاة الى أقصى المعارضة وضعوا خلافاتهم السياسية خلفهم ليكونوا تحت سقف واحد ويضعوا معاً رؤية مستقبلية لبلدهم»، في حضور ديبلوماسيين من دول مانحة للمساعدات للشعب السوري والأمم المتحدة، للاستماع معاً الى ملخص عن مضمون برنامج الاجندة والذي يركز على «تطوير وتحديد أولويات خيارات السياسات والبرامج»، على أن تتولى خليفة الدردري الدكتورة خولة مطر المرحلة المقبلة من المشروع. وأكد الدردري أن «هذا التقرير لا يعتبر النسخة الأخيرة بل سيبقى قيد التحديث والتعديل خلال المرحلة المقبلة». وهو كما اعتبره «مشاركة في استباق التحديات التي سينتجها النزاع السوري والاستجابة المبكرة لآثاره، وأبرزها: عودة اللاجئين والنازحين، وتحدي المصالحة، وتحدي إعادة الإعمار».
سورية ما بعد النزاع
وترتكز المبادرة على اعتبار أن «الشأن العام شأن جميع السوريين، وأن الحوار الموضوعي الحر أساس العمل، وما نتج من هذه الحوارات هو وثيقة تضمنت «تشخيصاً للعوامل الداخلية الهيكلية التي ساهمت في انتاج النزاع وآثاره واستشرافاً لسيناريوات انتهائه واسساً، رأى المشاركون في إعدادها، جديرة بأن ترتكز اليها الرؤية المستقبلية التي يؤمل أن يصوغها السوريون بعد انتهاء النزاع».
لكن كيف يرى هؤلاء سورية ما بعد النزاع؟ تورد الوثيقة التي هي أحد نتاج برنامج الأجندة، أن سورية «بلـد تسعى جميع مكوناته لتحقيق العودة الكريمة لجميع أبنائه النازحين واللاجئين. وتكون السبل السلمية الوسيلة الوحيدة لإنفاذ الإرادة السياسية، والأمن الإنساني أولوية كبرى، بتحقيق مصالحة وطنية حقيقية، وتأكيد أن عملية بناء السلم وبناء الدولة «ملكية وطنية».
وتحدد الوثيقة أن سورية ما بعد النزاع يجب ان «يدارُ فيها التنوع إدارةً رشيدةً مستندةً إلى تمثل مفهوم المواطنة الفاعلة غير المنقوصة في إطار هوية سورية جامعة، وبلـد يتسم النسيج المجتمعي فيه بالتماسك ورأس المال الاجتماعي بالرسوخ من خلال تكثيف استحضار قيم التعاضد وبلد مكوناته القاعدية حاضرةٌ في الحيز العام وفاعلةٌ فيه، والتمثيلُ فيه تضمينيٌ متوازنٌ في كافة المجالات، ويقوم فيه اقتصادٌ وطني داعم للتنمية الشاملة المتوازنة، يوفر الحماية الاجتماعية لجميع الشرائح التي تحتاجها، ويحقق مشاركة المواطنين في عملية التنمية، وبلد تكون فيه الإداراتُ العامةُ مؤهلة واللامركزية الإدارية متحققةٌ والهيكل الإداري الوطني شامل وتضميني وشفاف ويتوخى تحقيق انتعاش عادل وإعادة بناء البنية التحتية، وتوليد المعرفة والإبداع وتوظيفهما في إدارة وحماية الموارد تلبية لحاجات الأجيال، وتوظيف تكنولوجيا المعلومات والاتصالات توظيفاً يدعم السلام والنمو».
وحرصت نائب الأمينة التنفيذية لـ «اسكوا» الدكتورة مطر على تأكيد أن المشروع لا يتجاهل التطورات الحاصلة بسرعة على الأرض، ويضمن الملاءمة مع ما تم الوصول اليه وتحديثه ليتلاءم مع التحولات المقبلة والتمكن من ايصال المعلومات المطلوبة الى صناع القرار والمنظمات الدولية»، معتبرة أن أهم ما أوجده المشروع هو «الشراكة ضمن السوريين انفسهم ومع أجهزة الأمم المتحدة وخصوصاً تلك العاملة على الأرض (المنظمات الدولية، عاملون في مناطق الرقة ودير الزور في الجمعيات الأهلية وخسرت بعضهم) والسوريين في الخارج». وأملت عند توقف النزاع أن «يشكل المشروع خريطة طريق نحو سورية الديموقراطية التي تتمتع بالشفافية وتحترم حقوق الانسان».
وأكد منسق البرنامج باسم كغدو أن الانطلاق في هذا المشروع كان من فرضية أولى ان «سورية موحدة بغض النظر عن نمط الحوكمة»، لافتاً الى ان الوثيقة «لم يكن دورها إطلاق الأحكام ولا تسمية أطراف انما ركزت على الجانب العلمي في مقاربتها للنزاع».
ويؤكد الدردري في دردشة وداعية قبل الانتقال الى منصبه الجديد في البنك الدولي والمرهون سفره بقرار الإدارة الأميركية بالسماح له كسوري في دخول الولايات المتحدة، «ان سورية لم تعد كما كانت في العام 2010 وليس عملياً العودة الى تلك المرحلة، واذا لم نحدد المسببات التي أوصلت سورية الى ما حصل فيها فإننا نؤسس لعودة على بدء». ويضيف: «هذه ليست خطة انما إطار عمل وليضع السوريون خطتهم، وسورية لا يمكن إعادة بنائها ممن يملكون وجهة نظر واحدة، ولا يمكن استثناء احد، أعلم أن السوريين خسروا سورية، لكن التحدي هو كيف نجمع القطع ونتحرك الى الأمام».
«هل نريد بناء كل ما دمر؟»
يحدد الدردري قيمة خسائر سورية «حتى الآن بـ350 بليون دولار وهذا لا يشمل الحاجات»، مشيراً الى «أن إعادة البناء تعتمد على ما نريد إعادة بنائه، هل سيشمل كل ما جرى تدميره؟ كما أن إعادة الإعمار لا يمكن أن تتولاها جهة واحدة ولا حتى أحد من اللاعبين في سورية، انها تحتاج الى مساهمات إقليمية ودولية».
ويشير إلى «أن إعادة بناء السوق القديم في حلب اليوم لا يجدي طالما أن الهدف التجاري لا يزال مشلولاً وكذلك إعادة بناء حمص». ويقول: «إن سورية في حاجة الى بناء دولة دمرت كما سورية، هناك حاجة الى حكومة مركزية تحمي حق المستثمرين في سورية وأن يتحقق المستثمر من أن هناك فاعلية وشفافية، ومن دون ذلك لا أرى كيف يمكن ان تأتي الأموال الى سورية».
ويوافق الدردري على أن الحرب في سورية «شرسة وحرب بقاء ويمكن توقع فيها كل شيء»، لكنه يرفض «التفرج على ما يحصل». ويعتبر أن المبادرة «لا تمثل احداً وكلفتها خمسة ملايين دولار من تقديمات الدول المانحة لـ «اسكوا» وليست من اموال النازحين السوريين». وهي تنطلق من «افتراض ان سورية ستبقى واحدة… وليجلس أصحاب البيت سوياً ويتناقشوا ويختلفوا ويتجادلوا لتأسيس عقد اجتماعي جديد».