يفرض عالم النفط على الدول الكبرى حسابات خاصة لمناصرة شركاتها في الأقاليم الغنية بالبترول والغاز. لبنان يجذب شركات من 25 دولة، منها تلك الآتية من أوروبا ومن روسيا التي ترغب خوض غمار التجربة اللبنانية
يُشار دوماً إلى «توازن القوّى» كعامل أساسي لإشاعة الاستقرار على مستوى السياسة الدولية. تحكم هذا التوازن مجموعة هائلة من المصالح الاقتصاديّة التي تمتد جغرافياً ومعرفياً. في قطاع النفط تحديداً تزداد التجاذبات. الشركات التي قدّمت طلبات للعمل في لبنان تأتي من 25 بلداً، أبرزها تلك التي تتمتع بدور مؤثر في العولمة. وبانتظار إطلاق المناقصة ودفتر الشروط في 2 أيار المقبل وصولاً إلى اختيار الأكثر مناسبة لطلبات الدولة اللبنانية، يهمس كثيرون بأنّ الضغوط بدأت فعلاً صوب خيارات معيّنة.
يقولون إنّ التشكيلة الأكثر استراتيجية من الشركات هي التي تحفظ التوازن المذكور وتؤمّن غطاءً للبنان. يبرّرون ذلك بسؤال اعتراضي: إذا كانت لجميع البلدان المؤثّرة مصلحة في استقرار لبنان ونفطه، فأين تكون المصلحة في التشويش عليه؟
«الشركات التي تقدّمت للعمل في لبنان هي كبيرة في دولها إلى درجة أنها هي من تؤمن الغطاء للحكومات في أوقات معيّنة وتؤثّر أو تساهم في صناعة السياسات الحكومية في مناطق كثيرة»، يُعلّق وزير الطاقة والمياه جبران باسيل. «بالتأكيد تنتظر تلك الشركات تقويم حكوماتها لمستوى المخاطر السائدة في دول معينة، غير أنّ مصالحها تؤثّر في ذلك التقويم».
من هذا المنطلق، من الأهمية بمكان أن يُسرع لبنان في تثبيت نفسه على أنّه في موقع استقطاب لمصالح الدول المختلفة، يتابع الوزير. صحيح أنّ الموارد النفطية موجودة في مختلف الأقاليم، ولكن عندما يبدأ لبنان إنتاجه النفطي ستكون هناك مصلحة للجميع في استقراره.
وقد شدّد الخبراء المخضرمون في قطاع النفط أخيراً على أنّه في معرض تشكيل الكونسورتيوم (مجموعة شركات تحت لواء تشغيلي واحد) يُفترض الأخذ بعين الاعتبار ضمنياً تلك المصالح. فما هو دور لبنان في هذه اللعبة التي تتخذ طابعاً أممياً؟
«إن تشكيل الكونسورتيوم_أو أكثر من واحد_يعود إلى مفاوضات الشركات في ما بينها» يؤكّد الوزير. «تنشأ التشكيلة ضمن شروط المصالح والإمكانات وحاجة الشركات بعضها إلى بعض وضمن اعتبارات سياسية دولية معنيّة بها».
أمّا شروط الدولة اللبنانيّة فتتمثّل في المعطيات البديهية والتقنية. أوّلاً، يجب أن تكون الشركات مؤهّلة ومصنّفة وفق معايير التأهيل ودفتر الشروط. ثانياً، كلّ كونسورتيوم يجب أن يكون مؤلفاً من ثلاث شركات في الحدّ الأدنى كي لا يكون هناك احتكار لهذا المورد الكبير. في كلّ كونسورتيوم يكون مشغّل يقوم بالاستخراج والتطوير، والشركات الباقية تكون شريكة في المال وفي المخاطر.
بعد إطلاق دفتر الشروط في بداية الشهر المقبل، ستسعى الشركات المؤهّلة إلى التكتّل لتُقدّم عروضها لمناقصة التلزيم، وهي عملية يُفترض أن تتمّ في الخريف المقبل.
وحدها الشركات المؤهلة التي ستُعلن أسماؤها في 18 نيسان الجاري هي التي ستكون معنية بدفتر الشروط هذا. وبعدما استعرضنا الشركات القادمة من القارّة الأميركية المهتمة بلبنان، نورد اليوم تفاصيل الشركات الأوروبية والروسية. فقد أقفلت دورة التأهيل التي اختتمت في 28 آذار 2013 على 19 شركة من 11 بلداً أوروبياً، إضافة إلى ثلاث شركات عملاقة من روسيا.
ننطلق من إيطاليا وشركة «ENI» تحديداً التي تتمتع بسجلّ حافل من الاكتشافات الاستثنائية، يوضح خبراء وزارة الطاقة وهيئة إدارة قطاع النفط. بين عامي 2008 و2011، اكتشفت الشركة قرابة 4 مليارات برميل نفطي، محقّقةً بذلك كلفة رائدة لعملية التنقيب تبلغ 1.7 دولار للبرميل الواحد. في العام الماضي سجّلت الشركة اكتشافاً جديداً بلغ 3.6 مليارات دولار، لتُصنّف كأضخم شركة في قطاع النفط والغاز من حيث المبيعات الإجمالية.
ومن إيطاليا إلى فرنسا حيث تبرز شركة «TOTAL» الفرنسية التي صنّفت من بين أكبر خمس شركات عالمية في قطاع النفط والغاز قيد التداول العام. تعمل هذه الشركة في أكثر من 40 دولة، ولديها أنشطة إنتاجية في 30 دولة منها. تتوزع مناطق إنتاجها الرئيسية بين بحر الشمال والشرق الأوسط وأفريقيا، تليها جنوب أفريقيا، شرق آسيا وصولاً إلى الأميركيّتين.
من الشمال الأوروبي تحضر شركة «Statoil» النروجية التي تُعدّ ثاني أكبر شركة مورّدة للغاز الطبيعي إلى السوق الأوروبية، إذ تبلغ حصّتها 14% من تلك السوق، مع العلم بأنّ مجموعة «SDFI» التابعة للدولة النروجية مسؤولة عن 75% من صادرات الغاز النروجي.
بدورها تتمتع شركة «Maersk» الدنماركية بخبرة في الطبقات الجيولوجية المعقدة والمياه البحرية العميقة، كما تمتلك خبرة في الطبقات الجيولوجية المتكونة تحت طبقة الملح في قاع البحار، يُتابع الخبراء النفطيون. وتتركّز عمليات هذه الشركة في المناطق التي تطبعها ظروف قاسية، وذلك ما بين القطب الشمالي وجزيرة غرينلاند والسهول القاحلة في كازاخستان. وتقوم الشركة أيضاً بتطوير الخبرات في ظروف التشغيل الصعبة مثل المياه العميقة، الضغط والحرارة المرتفعان.
وفي قطاع الاستكشاف والإنتاج تركّز شركة «Shell» الهولندية على استكشاف احتياطيات النفط والغاز الجديدة وتطوير المشاريع الكبرى، حيث تعتمد على تكنولوجيا خاصة بها ذات دراية عالية، مضيفة بذلك قيمة جديدة لمالكي الموارد. وقد طوّرت هذه الشركة 20 حقلاً تراوح أعماقها بين 800 متر و2400 متر.
إلى الجنوب الأوروبي تبرز شركة «Repsol» الإسبانيّة التي تعمل في مجال استكشاف وإنتاج النفط الخام والغاز الطبيعي إضافة إلى تكرير النفط والمواد الخام الأخرى. وقد طوّرت الشركة اثنين من الحقول البحرية في البحر الأبيض المتوسط على عمق 660 متراً و740 متراً.
ومن أوروبا الغربية شرقاً إلى روسيا التي تُعدّ المنتج الأوّل للغاز الطبيعي عالمياً، وتتمع بشركات عملاقة أبدت رغبتها في العمل في لبنان، وعلى رأسها شركة «Rosneft» التي تُعدّ بين أهمّ شركات النفط المتداولة عالمياً. يتمثل نشاطها في المقام الأول في الاستكشاف وإنتاج النفط والغاز والمنتجات البترولية والبتروكيماويات، وتسويق المنتجات. تملك الدولة الروسية 69.5% من هذه الشركة، وقد وضعتها الحكومة على القائمة المخصصة للشركات والمنظمات الاستراتيجية.
«Lukoil» هي ثاني أكبر شركة روسية منتجة للنفط. تملك 0.8% من احتياطات النفط في العالم ومسؤولة عن 2.2% من إنتاجه. هي ثالث أكبر شركة غير حكوميّة متداولة في السوق المالية عالمياً لناحية الاحتياطي المثبت من النفط والغاز، وهي السادسة وفقاً لمعيار إنتاج المواد الهيدروكاربونية.
من جهة أخرى صُنّفت شركة «Novatek» الروسية بين أفضل خمس شركات على مستوى العالم لناحية احتياطي الغاز الطبيعي، وتُعد ثاني أكبر شركة تملك احتياطي الغاز الطبيعي في روسيا. تشمل أعمالها أنشطة التنقيب والإنتاج والمعالجة والنقل والتسويق للغاز الطبيعي والغاز السائل.
وإضافة إلى هذه الشركات العملاقة تقدّمت من أوروبا عشر شركات أخرى هي: «OMV» النمساوية؛ «INA» الكرواتية؛ «GDF Suez» الفرنسية؛ «MOL Group E&P» الهنغارية؛ «Edison Int» الإيطالية؛ «Circle Oil PLC» و«Petroceltic» من إيرلندا؛ إضافة إلى 6 شركات من بريطانيا هي «Cairn Energy» و«Dana Petroleum» و«General Energy» و«Heritage Oil» و«Ophir» و«Soco».
واللافت في هذا السياق هو هذا الحضور الملحوظ للشركات البريطانيّة، فعددها هو نفسه لتلك الأميركية والإماراتيّة التي تقدّمت بطلبها للتأهّل، مع العلم بأنّ شركة «Spectrum» البريطانية أجرت مسوحات ثنائية وثلاثية الأبعاد للمياه الإقليمية، وهي تُجري حالياً المسوحات البريّة.
اقتصاد
العدد ١٩٧٨ الجمعة ١٢ نيسان ٢٠١٣