يشهد السوق العقاري في أبوظبي تغيرات كبيرة، تحمل الكثير من المفاجآت، أهمها طرح وحدات عقارية للبيع بسعر يقل عن نصف مليون درهم، ما دفع كبار المطورين العقاريين وعلى رأسهم شركتا الدار وطموح إلى طرح وحدات عقارية في مناطق متميزة بسعر، يتراوح بين 700 ألف درهم و900 ألف درهم وهي أسعار كان يستحيل التفكير فيها خلال السنوات الماضية، حيث لم يقل سعر أي وحدة سكنية عن 1.9 مليون درهم.
وبالتالي فإن تنوع المعروض أنعش شراء وبيع العقارات في الإمارة، بينما تبدأ الأسعار من 450 ألف درهم، لكن ما يحدث في سوق البيع والشراء مازال بعيداً عن سوق الإيجارات بشكل خاص في مدينة أبوظبي، حيث مازال المعروض الذي يلبي طلب غالبية الشرائح السكانية محدوداً، ما يدفع الإيجارات للارتفاع، وتتواصل شكاوى المستأجرين.
وتلقي «البيان الاقتصادي» في هذا التحقيق الضوء على التغييرات الكبيرة، التي يشهدها السوق العقاري في أبوظبي وآثارها المتوقعة خلال العام المقبل، حيث أكد خبراء عقاريون ومديرو مكاتب وساطة أن السوق العقاري في أبوظبي مازال نشطاً بقوة، ويتواصل عائده الاستثماري، ليتراوح بين 8% للشراء والبيع ومالا يقل عن 20% للإيجارات.
تنافس محموم
وأهم تغير يشهده السوق حالياً هو التنافس المحموم بين كبريات الشركات العقارية لبيع وحدات مشاريعها الجديدة، التي تزايد عددها بشكل ملحوظ، خلال العام الجاري. هذا التنافس يظهر بشكل واضح في مساكن الغدير، التي تقع على حدود أبوظبي ودبي وفيلات الريف التلتان شهدتا أكبر عمليات بيع خلال النصف الثاني من العام الجاري، كما يؤكد نادر حسن المدير العام لشركة سكاي لاين للعقارات في أبوظبي، مشيراً إلى أن تراجع أسعار الوحدة السكنية استديو إلى نحو 450 ألف درهم، والوحدة غرفة وصالة إلى 600 ألف درهم، والفيلا ثلاث غرف وصالة إلى مليون ومئة ألف درهم، أدى إلى كثرة الطلب عليها خاصة من المقيمين في الدولة، الذين حصلوا على تسهيلات كبيرة من بنوك عدة، وفي فيلات الريف تراجعت أسعار الفيلات 3 غرف وصالة إلى مليون و700 ألف درهم.
منافسة حقيقية
ينوه نادر حسن بأن هذا التراجع في أسعار وحدات وفيلات الغدير والريف دفع بكبار المطورين في أبوظبي إلى طرح وحدات بأسعار جيدة، ولم تكن متوقعة قبل ذلك، وعلى سبيل المثال طرحت شركة طموح استديو في أبراج مدينة الأضواء الجديدة في جزيرة الريم بسعر 700 ألف درهم، كما طرحت شركة الدار استديو في مشروع برجي ميرا بسعر 900 ألف درهم، وهذه الأسعار كانت حلماً في السابق إذ لم يقل سعر الاستديو في جزيرة الريم عن 1.6 مليون درهم، كما تعكس هذه الأسعار منافسة حقيقية.
ويشدد على أن السوق العقاري في أبوظبي يشهد حالياً تنوعاً في المشاريع العقارية، ما أتاح أمام المشترين خيارات عديدة، وبالتالي يفضل المشترون اليوم شراء فيلا في الريف بمليون و600 ألف درهم، بينما لا يفضلون شراء وحدة سكنية في الريم بسعر 4 ملايين و600 ألف درهم خاصة أن مناطق الريف والغدير مجهزة بكل الخدمات.
الإيجارات
لكن لماذا انعكست كثرة المشاريع الجديدة على حركة البيع والشراء فقط، ولم تظهر آثارها على الإيجارات السكنية، حيث ظلت مرتفعة، بل وازدادت ارتفاعاً في مناطق عديدة في أبوظبي وخاصة مناطق الكورنيش ومعسكر آل نهيان؟
يجيب عبد الرحمن الشيباني رئيس شركة منابع العقارية، مؤكداً أن غالبية المعروض المتوفر من الوحدات السكنية في أبوظبي حالياً من الإسكان الفاخر الواقع في مناطق خلابة مثل جزيرتي الريم والسعديات، وبلا شك فإن غالبية هذه المشاريع تم بناؤها في مناطق متميزة جداً، وبتكلفة عالية جداً، وبصفة عامة فإن تكلفة متر البناء في هذه المشاريع لا يقل عن 4500 درهم، بينما لم يكن يزيد عن 2400 درهم في المباني القديمة، وبالتالي فإن شركات التطوير العقاري والملاك، الذين بنوا هذه المشاريع لن يعرضوا أنفسهم للخسارة، وبالتالي يؤجرون مساكنهم بأسعار مرتفعة.
نوعية الملاك
ويلفت إلى أن تغير نوعية الملاك لها أثر كبير في استقرار إيجارات المساكن الجديدة على مستويات مرتفعة، حيث إن المالك المواطن تراجع، بينما حلت بقوة شركات التطوير العقاري، وبالتالي فإن هذه الشركات أكثر تنظيماً وترويجاً، فضلاً عن أنها ترتبط بجهات الطلب مثل شركات الحكومة القوية مثل شركات أدنوك ومبادلة والبنوك والشركات الخاصة وبلا شك فإن هذه الشركات تمنح موظفيها بدلات سكن مرتفعة تدفعها هذه الشركات، وبالتالي تظل الإيجارات مرتفعة، بينما المساكن القديمة، التي يديرها المواطنون فهي محدودة جداً، ويتوفر عليها طلب كبير جداً، بسبب معقولية إيجاراتها، وفي الغالب فإن هذه المساكن تشهد ارتفاعاً في الإيجارات بنسب تتراوح بين 5% و20% في بعض المناطق.
حالة السوق
ويجزم الشيباني بأن حالة السوق العقاري اليوم في أبوظبي مختلفة تماماً عما سبق، فالسوق لم يعد يتحكم فيه الملاك المواطنون بشكل كبير، كما أن المعروض خاصة المعروض الفاخر يتزايد، والطلب مازال قوياً، لكنه يتجه لنوعية محددة من السكن، وبلا شك فإن سوق أبوظبي لا يعيش اليوم مرحلة ندرة المعروض كما حدث عقب الأزمة المالية العالمية 2008، كما لا يعيش مرحلة الوفرة، حيث المعروض الكبير كما حدث عام 2010 و2011 ولكنه يعيش اليوم حالة الطلب والعرض المتزايد بشكل تدريجي، وبلا شك فإن إيجارات المساكن القديمة تحسنت بشكل أكبر بالنسبة للملاك سواء المالكين وحدات جديدة أو قديمة، وبلا شك فإن المستفيد الأكبر من الطلب المتزايد اليوم في السوق هم ملاك المساكن الجديدة.
عكس التوقعات
ويكشف طاهر رضا رئيس شركة أفاندا للاستثمار العقاري في أبوظبي عن مفاجأة في سوق أبوظبي، حيث توقع غالبية الخبراء انهيار وكساد سوق المساكن الجديدة الفاخرة خاصة مع كثرتها وارتفاع أسعارها، ولكن ما يحدث اليوم في السوق عكس ذلك، وقال: لدينا في بنايات سكنية على الكورنيش مثل أبراج الاتحاد وحدات سكنية ثلاث غرف بإيجار 350 ألف درهم، وفي برج الأبراج الساطعة في قلب منطقة الخالدية يبلغ إيجار الوحدة غرفتين وصالة 165 ألف درهم، كما تشهد الأبراج والبنايات الجديدة سواء في مناطق الكورنيش والروضة والدانة طلباً متزايداً على الرغم من ارتفاع إيجاراتها وبلا شك فإن لهذه المساكن طالبوها خاصة أنها تتمتع بمناظر خلابة وتسهيلات وخدمات كثيرة.
نشاط قوي
ويشدد طاهر رضا على أن كل ما كان يقال من كساد في القطاع العقاري في أبوظبي ثبت أنه تكهنات، وأثبت الواقع خطأها، وكل المؤشرات تؤكد أن سوق أبوظبي العقاري مازال نشطاً وقوياً، وأن غالبية المعروض من الوحدات السكنية والفيلات الجديدة، التي استقبلها السوق ومازال يستقبلها حتى اليوم تلاقي طلباً حقيقياً وهذا الطلب قد يكون قوياً في منطقة أكثر من أخرى، لكن الطلب موجود والإيجارات لم تنخفض بل ارتفعت في غالبيتها بنسب تتراوح بين 2% و3% للمساكن الجديدة و10% إلى 20% للمباني القديمة، كما أن الملاءة القوية لملاك المباني السكنية سواء كانوا أفراداً أو شركات تحول دون تراجع الإيجارات خاصة الجديدة التي مازالت تشهد طلباً كبيراً.
ارتفاع الإيجارات الجديدة والقديمة معاً
يتوقع عمير الظاهري رئيس مجلس إدارة شركة مدائن القابضة أن حركة البيع والإيجارات ستزداد نشاطاً في أبوظبي خلال العام المقبل.
ويلفت إلى أن القطاع العقاري في أبوظبي يعيش أزهي عصوره، وأن الملاك والمطورين العقاريين يحققون منه أرباحاً كبيرة. ويتوقع ألا تتراجع الإيجارات السكنية في أبوظبي العام المقبل، لافتاً إلى أن العرض الحقيقي الذي تتطلبه شرائح كبيرة من المجتمع مازال محدوداً.
طلب
وينوه بأن الطلب على العقارات شراء وبيعاً وإيجارات سيظل كبيراً للغاية، مشيراً إلى أن السبب في ذلك يرجع إلى استمرار قوة السوق العقاري في أبوظبي، وهذه القوة تتوقف على خلق فرص عمل جديدة والتوسع في قطاع الخدمات، وبلا شك فإن حكومة أبوظبي ماضية في تنفيذ مشاريعها بقوة، وذلك على الرغم من تراجع أسعار النفط، وهناك مشاريع بدأتها الحكومة، ويستحيل التراجع فيها أو التوقف عن تنفيذها لأنها مرتبطة بمناقصات وعقود، فضلاً عن أن القطاعات غير النفطية تسهم بنصيب كبير في ناتج أبوظبي وبصفة خاصة قطاعات السياحة والسفر والضيافة والصناعة وهي قطاعات تخلق فرص عمل كثيرة، وترتبط بقطاعات أخرى حيوية.
عائد
وينوه عمير الظاهري بأن ارتفاع العائد الاستثماري في القطاع العقاري في أبوظبي يدفع مواطنين كثيرين إلى ضخ استثمارات كبيرة في هذا القطاع، علماً بأن ارتفاع هذا العائد يسري على الإسكان الفاخر والمتوسط معاً، ونجد اليوم شركات عقارية كبري تضاعف استثماراتها وتطرح مشاريع جديدة مثل شركة الدار التي طرحت مشاريع عدة مؤخراً في جزيرتي الريم وياس.
معروض
ويقول: على الرغم من زيادة المعروض فإن الإيجارات الجديدة أو القديمة لم تتراجع، وللأسف مازلنا نسمع من يقول إن السكن الفاخر في أبوظبي سيواجه مشاكل وصعوبات، على الرغم من أن التجربة التي عشناها تؤكد عكس ذلك، والدليل أنه عندما انتهت الشركات الكبرى من عمليات تشييد وتشطيب المشاريع السكنية الجديدة في جزيرة الريم مثل أبراج مارينا سكوير وأبراج البوابة ومدينة الأضواء ومساكن الزينة والمنيرة والبندر في شاطئ الراحة فقد وصلت نسب التأجير إلى 99%، كما أن المشاريع الجديدة التي أعلنتها شركة الدار وغيرها من الشركات تلاقي إقبالاً كبيراً.
وأعتقد أن السبب في ذلك هو أن سوق أبوظبي مازال بحاجة إلى مساكن جديدة لتلبية الطلب المتجدد، علماً بأن السوق في أبوظبي شهد تغييرات في تركيبته السكانية، حيث تزايد أعداد الأوروبيين والكنديين والأميركيين والألمان بعد أن وجدوا وظائف ممتازة في أبوظبي وهؤلاء الأوروبيون يعيشون في بيئات سكنية متميزة وفاخرة، وقد وجدوا في السوق ما يلبي طلبهم.
أسعار
تتراوح إيجارات المباني القديمة في مدينة أبوظبي للغرفة وصالة بين 67 ألف درهم إلى 85 ألف درهم، وغرفتان وصالة بين 85 ألف درهم إلى 90 أف درهم، وثلاث غرف وصالة بين 100 ألف درهم إلى 140 ألف درهم.
أما إيجارات المباني الجديدة فتتراوح الوحدات المكونة من غرفة وصالة بين 110 آلاف درهم إلى 120 ألف درهم، وغرفتان وصالة بين 125 ألف درهم إلى 155 ألف درهم، وثلاث غرف وصالة بين 160 ألف درهم إلى 210 ألف درهم، كما تتراوح زيادة إيجارات المباني القديمة في مدينة أبوظبي بين 10% إلى 15% بينما تتراوح زيادة إيجارات المباني الجديدة بين 2% إلى 3%.