تواجه دول مجلس التعاون الخليجي ضغوطاً هائلة نتيجة التراجع المستمر الذي تتعرض له أسعار النفط، خصوصاً أنها تعتمد في شكل كبير على إيرادات النفط والغاز. وأفاد تقرير أسبوعي صادر عن شركة «آسيا للاستثمار» بأن أسعار النفط شهدت انخفاضاً منذ الربع الأخير من عام 2014، وهبطت نحو 48 في المئة تقريباً على أساس سنوي، ما أثار مخاوف حول مدى قدرة دول التعاون على الاحتفاظ بمراكز فوائضها المالية.
ففي مطلع العام الحالي، خفّض صندوق النقد الدولي توقعاته في شأن الفوائض المالية للبلدان الخليجية مجتمعة من 275 بليون دولار إلى نحو 100 بليون، وحذّر من أن بعضها سيواجه عجزاً مالياً إذا استمر الإنفاق الحكومي وفق المستويات الحالية.
ومع ذلك، لا يزال معظمها قادراً على تحقيق معدلات عالية من النمو، وتجنب أي تراجع قد يطرأ على النشاط الاقتصادي حتى الآن بفضل مرونة إنفاقها الحكومي، المدعوم باحتياط مالي كبير.
إلا أن الصندوق يرى أن اعتماد هذه الدول على صادرات النفط سيظل يشكل خطراً على المدى البعيد. وأكد أهمية التوسع في التنويع الاقتصادي، وتعزيز القطاعات غير النفطية في دول التعاون للحفاظ على النمو والفوائض المالية في المستقبل البعيد.
ولفت تقرير «آسيا للاستثمار» إلى أن دول الخليج تتشارك بالسمات الاقتصادية ذاتها، وتؤثر أسعار النفط المنخفضة كثيراً في إجمالي الناتج المحلي الإسمي والحقيقي، اللذين يساهمان في أعلى نسبة في اقتصاداتها، وإنفاقها الحكومي، وصافي صادراتها. ومع ذلك، يختلف نمو الاستهلاك الخاص والاستثمار الذي لا يعتمد كثيراً على النفط من بلد إلى آخر.
مراحل مختلفة
ونتيجة لذلك، يمكن اعتبار أن دول التعاون تمر بمراحل مختلفة في الدورة الاقتصادية، على رغم سماتها المشتركة. إذ تعكس دورة نشاطات الأعمال تقلبات نمو الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي لكل بلد بالنسبة لنمو اقتصاده المحتمل، ويعرف من حيث الانكماش والتوسع.
فحين يتجه نمو الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي نحو الأعلى، يُعتبر الاقتصاد في مرحلة توسعية، أما عندما يتجه نحو التراجع، فيشير إلى دخول الاقتصاد ضمن مرحلة انكماش. وعادة ما تتكون مرحلة التوسع من ارتفاع نسبة التوظيف، والناتج الصناعي والمبيعات والدخل الفردي.
وينظر التقرير إلى هذه العوامل في شكل خاص، بمعزل عن الأثر المباشر لتراجع أسعار النفط على الناتج المحلي الإجمالي. وهناك عامل ثان لا بد من أخذه في الاعتبار عند تحليل دورة نشاطات الأعمال. فالبلدان التي لا ترتقي إلى مستوى النمو لا تستغل مواردها بما يكفي. وعادة ما تنتج اقتصاداتها معدلات بطالة، وقدرة غير مستغلة على التصنيع، وتضخماً منخفضاً. أما البلدان التي تزيد فيها معدلات النمو عن المتوقع، فتعاني من التضخم.
وأضاف التقرير أن أربع دول خليجية تشهد مرحلة انكماش منذ الربع الأخير من عام 2014، وخص بالذكر عُمان وقطر اللتين تمران بمرحلة مبكرة من الانكماش تُعرف ببدء تراجع النمو الاقتصادي، ولو أن معدلات النمو فيها على المدى البعيد لا تزال مرتفعة. وعزا هذا التباطؤ في النشاط الاقتصادي أساساً إلى ضعف الصادرات، وتراجع الاستثمار والاستهلاك الخاص. أما المؤشرات الرئيسة مثل النمو الائتماني والسيولة فتشير إلى أن تراجع النشاط الاقتصادي قد يستمر لفترة أطول.
الكويت والسعودية
وتشهد الكويت والسعودية تباطؤاً أيضاً، لكنهما ضمن مرحلة أخيرة من الانكماش. فقد شهدتا بعض مؤشرات التعافي في قطاعات مختلفة كالسكن في الكويت، والمصارف في السعودية. إضافة إلى ذلك، بدأت مؤشرات رئيسة بالصعود، ما يشير إلى أن اقتصاد البلدين سيشهد مزيداً من فرص الإنفاق والثقة الإيجابية للمضي قدماً في المستقبل.
أما البحرين والإمارات فأنهتا العام الماضي ضمن دورة توسعية، إذ لم يؤثر تراجع أسعار النفط في نمو صادراتهما كما كانت الحال في دول التعاون الأخرى، بسبب تنوع صادراتهما. وأتاح الزخم الجيد في أسواق العمل أمام هذين البلدين أن يشهدا معدلات قوية للاستهلاك الخاص، نتيجة لقوة أسواق العمل فيهما. إضافة إلى ذلك، يقدم البلدان نظرة مستقبلية إيجابية خصوصاً الإمارات بعد أن ضمنت تنظيم «أكسبو 2020»، وترقية بورصتها من سوق شبه ناشئة إلى ناشئة في مؤشر «مورغان ستانلي كابيتال إنترناشيونال».
ورأى التقرير أن النفط لا يزال العامل الرئيس في تحريك الأداء الاقتصادي لدول مجلس التعاون، ولفت إلى أن التنويع الاقتصادي عنصر أساس أمام بلدان المنطـقـــة كي تضمن نمواً قوياً في المستقبل. وشدد على ضرورة تنويع الحكومات مصادر دخلها بعيداً من الإيرادات النفطية، مشيراً إلى أن عليها مواصلة تحسين أطر العمل القانونية والضريبية، وضمان وجود إطار عمل سياسي مستقر. كما أكد على ضرورة تهيئة السلطات الخليجية الظروف المناسبة لمشاركة القطاع الخاص، باعتباره الوحيد القادر على معالجة التحديات المقبلة المتمثلة بالضغوط الديموغرافية والبطالة.