قال وزراء سعوديون: «إن المملكة تنوي زيادة الإيرادات الحكومية غير النفطية إلى أكثر من ثلاثة أمثالها، وخفض عبء الأجور بالقطاع العام على مدى الأعوام الخمسة المقبلة، في إطار إصلاحات تستهدف الحد من اعتماد الاقتصاد على النفط».
وجاءت تصريحات الوزراء في مؤتمر صحافي في وقت متأخر من مساء الاثنين، وامتد حتى الساعات الأولى من صباح أمس في أعقاب الإعلان عن خطة التحول الوطني، وهي أحد البرامج التنفيذية التي تشملها «رؤية السعودية 2030».
ورؤية السعودية 2030 خطة طموحة تهدف لتحويل المملكة إلى قوة استثمارية عالمية وتنهي اعتمادها على النفط كمحرك رئيسي للاقتصاد، وينظر إليها وإلى أبرز برامجها – خطة التحول الوطني- على أنها أكبر تغيير تقوده الحكومة في تاريخ المملكة.
وتستهدف خطة التحول الوطني زيادة الإيرادات الحكومية غير النفطية إلى 530 مليار ريال (141 مليار دولار) بحلول عام 2020، كما تستهدف خلق 450 ألف وظيفة غير حكومية للمواطنين حسبما أظهرت وثائق وزعت على الصحافيين.
وتسعى الخطة إلى رفع مستوى الخدمات التي تقدمها الحكومة، وتعزيز جودتها من أجل تحقيق «الكفاءة والفعالية في ممارسة أجهزة الدولة لمهامها واختصاصاتها على أكمل وجه، والارتقاء بمستوى الخدمات المقدمة للمستفيدين، وصولا إلى مستقبل زاهر وتنمية مستدامة».
وقالت الوثيقة: «إن تنفيذ الخطة التي تشمل أكثر من 500 مشروع ومبادرة إلى جانب مؤشرات أداء للوزارات والهيئات الحكومية الأخرى سيتكلف نحو 270 مليار ريال 72 مليار دولار».
وقال محمد آل الشيخ وزير الدولة وعضو مجلس الوزراء: «إن تكلفة الخطة لن يكون لها تأثير على ميزانية الدولة، وأن إجمالي التكلفة لا يشمل مساهمة القطاع الخاص التي من المتوقع أن تصل إلى 300 مليار ريال».
والتحول الوطني جزء من مبادرة الإصلاح الطويلة الأجل «رؤية 2030» التي أعلنها ولي ولي العهد الأمير محمد بن سلمان في أبريل وتهدف لإصلاح العديد من جوانب الاقتصاد والمجتمع السعوديين مع تأهب المملكة لمواجهة انكماش إيرادات النفط والزيادة السكنية.
وتضرر الوضع المالي لأكبر بلد مصدر للنفط في العالم منذ صيف 2014، عندما انحدرت أسعار النفط وهو ما أدى إلى عجز بلغ نحو 100 مليار دولار في الميزانية العامة في السنة الماضية.
وتستهدف الخطة زيادة نسبة الدين الحكومي إلى الناتح المحلي الإجمالي إلى %30 من %7.7 حاليا. وتقول الوثيقة: «إن المعيار الإقليمي لنسبة الدين إلى الناتج المحلي يبلغ %35 في حين يبلغ المعيار العالمي %54».
ومن المتوقع بموجب خطة التحول أن تأتي الإيرادات غير النفطية من فرض ضريبة للقيمة المضافة، وضريبة على المشروبات المحلاة والتبغ ورسوم إضافية على القطاع الخاص,وقال آل الشيخ: «إنه لا خطط لفرض ضريبة دخل على المواطنين».
ووفق الوثيقة تشمل مبادرات برنامج التحول الوطني التي ستطلقها في عام 2016 إنفاق 150 مليون ريال على إعداد وتطبيق ضريبة الدخل على المقيمين، أو ما يعرف بالأجانب العاملين في المملكة.
وشدد آل الشيخ على أن الضريبة الوحيدة التي اتفق عليها هي ضريبة القيمة المضافة التي تعتزم دول الخليج تطبيقها اعتبارا من 2018، وقال: «إن أي اسئلة تتعلق بالضرائب يجب أن توجه لوزير المالية إبراهيم العساف». ومن المقرر أن يتحدث العساف ضمن سلسلة من المؤتمرات الصحافية، تنظمها الحكومة يوميا حتى الخميس المقبل للحديث عن تفاصيل برنامج التحول الوطني.
وبحسب الخطة ستعمل الحكومة على خفض نسبة الأجور والرواتب العامة في الميزانية إلى %40 من %45 بحلول 2020، وتقليص دعم الماء والكهرباء بمقدار 200 مليار ريال.
وتطمح وزارة الطاقة إلى المحافظة على طاقة إنتاج النفط عند 12.5 مليون برميل يوميا وزيادة طاقة إنتاج الغاز إلى 17.8 مليار قدم مكعبة يوميا من 12 مليار قدم مكعبة، علاوة على زيادة طاقة التكرير إلى 3.3 ملايين برميل يومياً من 2.9 مليون حسبما ذكرت الوثيقة.
كما تسعى الحكومة إلى توفير 3.5 غيغاواط من الطاقة المتجددة بحلول 2020 وإنفاق 300 مليون ريال على تحديد وتهيئة مواقع بناء أول محطة للطاقة الذرية وتجهيز البنية التحتية الخاصة بها، حسبما أوضحت الخطة. وعرض ملحق لخطة التحول الوطني مئات المبادرات الحكومية التي وضعت لتحقيق عدد من الأهداف الاقتصادية والاجتماعية وعرض التكلفة الإجمالية لتنفيذها خلال خمس سنوات، وتتضمن 4.7 مليارات ريال لتطوير أقسام العناية المركزة والطوارئ في المستشفيات.
كما شملت المبادرات إعادة هيكلة وتنظيم قطاع البريد بتكلفة 2.1 مليار ريال، وتأسيس هيئة للملكية الفكرية بتكلفة خمسة ملايين ريال، وتحسين أداء الخدمة المدنية بتكلفة ثمانية ملايين ريال، وبرنامج للعناية بالتراث الحضاري للمملكة بتكلفة قدرها 3.5 مليارات ريال.
التنفيذ
طالما انشغل المجتمع السعودي بالحديث عن مدى إمكانية تنفيذ الخطط الحكومية. وعكس برنامج «سيلفي» الكوميدي الشهير الذي يعرض في شهر رمضان انشغال المجتمع بخطة الإصلاحات.
وفي الحلقة التي بثت الاثنين عرض البرنامج تصورا لمشاكل السعودية بعد 100 عام من الآن، متوقعا أن تظل المملكة تعاني نقصا في المساكن للمواطنين، وأن النساء لن يسمح لهن بقيادة السيارات حتى في السيارات الذاتية القيادة.
وبينما نالت بعض الأهداف الإصلاحية مثل خفض الدعم السخي للطاقة استحسان الكثير من الخبراء الاقتصاديين كخطوة طال انتظارها، أبدى آخرون تشككا في إمكانية تحقيق أهداف أخرى مثل إنهاء الاعتماد على النفط بحلول عام 2020.
وتركز الخطة على إتاحة الفرصة للقطاع الخاص لتوفير مصادر جديدة للدخل، وتعزيز عملية خلق الوظائف، ولكن توجد مخاوف من ألا يتمكن القطاع الخاص من القيام بدور فعال مع اعتماده بشكل رئيسي في العقود المنصرمة على الإنفاق الحكومي الذي بات يتراجع في ظل سعي الحكومة لترشيد النفقات.
كما توجد مخاوف من أن تفشل عمليات خصخصة أصول حكومية في مساعدة الشركات على تعويض أثر خفض الإنفاق. وبحسب الخطة، تعتزم وزارة الطاقة زيادة نسبة إنتاج محطات توليد الكهرباء من خلال «شركاء استراتيجيين» بحلول 2020، كما تعتزم الحكومة خصخصة المؤسسة العامة لتحلية المياه المالحة.
وتشمل برامج أخرى لرؤية 2030 خصخصة جزئية لشركة النفط العملاقة «أرامكو» وتحويل صندوق الاستثمارات العامة إلى واحد من أكبر صناديق الثروة السيادية في العالم.
وجرى الحديث عن الكثير من هذه الإصلاحات في ما مضى، ولكنها تبقى مجرد أفكار لم تدخل بعد حيز التنفيذ الجاد.
بيد أن أحد الأسباب التي تعزز الاعتقاد بأن هذه المرة قد يكون الأمر مختلفاً هو انتقال عملية وضع السياسات في العام الماضي من المراكز التقليدية والمتحفظة لصنع القرار مثل وزارة المالية والبنك المركزي.
وتتركز سلطة اتخاذ القرارات الاقتصادية في الوقت الراهن في مجلس الشؤون الاقتصادية والتنمية الذي يضم 22 عضواً والذي شكّله العاهل السعودي الملك سلمان بن عبدالعزيز، ويرأس المجلس ولي ولي العهد الأمير محمد بن سلمان البالغ من العمر نحو ثلاثين عاماً.
الفالح: 1.6 مليار دولار لبناء مدينة للطاقة
قال وزير الطاقة والصناعة والثروة المعدنية خالد الفالح: «إن أرامكو قد تستثمر في استيراد الغاز إلى المملكة، لكن الأولوية ستكون لإيجاد مصادر جديدة للغاز محليا من خلال الاستكشاف».
وأضاف الفالح في مؤتمر صحافي للإعلان عن خطة التحول الوطني «الغاز يشكل %50 من مزيج الطاقة بالمملكة، ونطمح أن يرتفع إلى %70 من كل المصادر سواء محلية، أو إذا استطعنا أن نجد مصادر للاستيراد بتكلفة منافسة».
وأفاد بانه «يمكن لأرامكو أن تستثمر لتأمين هذه المصادر من الغاز من خارج المملكة إذا احتجنا، لكن الأولوية للاستكشاف واستغلال المصادر الوطنية». وكشف أن المملكة تنوي استثمار 1.6 مليار دولار في بناء مدينة تركز على الصناعات المرتبطة بالطاقة وتقام في المنطقة الشرقية.
وأشار الفالح إلى أن «الأهم في هذه المرحلة هو دخول المملكة بشكل منافس وقوي في قطاع الطاقة المتجددة»، موضحا أن «برنامج التحول الوطني» يتوخى زيادة الصادرات غير النفطية من 185 مليار ريال سعودي إلى أكثر من 300 مليار ريال بحلول عام 2030.
وأضاف أن الوزارة تخطط، في إطار البرنامج، لبناء مجمع دولي ضخم للصناعات البحرية من شأنه أن يوفر 80 ألف فرصة عمل، وخفض الواردات بـ12 مليار دولار سنويا.