شهدت أسعار النفط هبوطا حاداً في الأسابيع الأخيرة، مما أثر على الجميع بشكل ايجابي وأخر سلبي، سواء أكان ذلك البلدان المنتجة أو البلدان المصدرة أو الحكومات أو المستهلكين. وعلى وجه العموم، نجد أن كلا من عوامل العرض والطلب ساهمت بدور في الهبوط الحاد الذي طرأ على الأسعار منذ شهر يونيو 2014. وتشير أسواق العقود الآجلة إلى أن هناك عدم يقين كبير بشأن تطور عوامل العرض والطلب بينما تتبلور ملامح هذه القصة.
لم يكن تأثر أي بلدين لهبوط الأسعار بنفس الطريقة، لكن هناك خصائص مشتركة تجمع بين البِلدان. فالدول المستوردة للنفط ضمن الاقتصادات المتقدمة، وحتى الأسواق الصاعدة بدرجة أكبر، استفادت من ارتفاع الدخل في قطاع الأُسر، وانخفاض تكاليف المدخلات، وتحسن أوضاعها الخارجية. وبالمقابل، حققت البلدان المصدرة للنفط عائدا أقل، كما أن موازناتها العامة وأرصدتها الخارجية تعرضت لضغوط. وقد اتاح هبوط أسعار النفط فرصة لكثير من البلدان، ومنها الاردن، كي تخفض دعم الطاقة وتستخدم الوفورات الناتجة عن ذلك في زيادة التحويلات الموجهة.
وقد كان من المفترض أن تقوم الحكومة في الاردن بتحرير سوق المشتقات النفطية منذ عدة سنوات وكان القرار على وشك أن يؤخذ عام 2009 على أن يليه إنهاء حصرية مصفاة البترول الاردنية لتعارضها مع إستراتيجية الطاقة الوطنية وفقا لتصريحات وزير الطاقة آنذاك. أن مثل ذلك القرار كان سيسهم في تعزيز المنافسة وكان سينعكس بالطبع ايجابا على مصلحة المواطن من حيث السعر والنوعية والجودة. الا أن القرار تم تأجيله وتم تمديد حصرية شركة مصفاة البترول لخمس سنوات ستنتهي العام المقبل 2017 لاعطائها الفرصة للانتهاء من مشروع التوسعة الرابع للشركة.
من أبسط مبادئ تحرير الاسواق أن يعمل في السوق عدة شركات وأن يتم تحرير الاسعار وأن تشتد الرقابة على نوعية المنتجات وسلوك المنتجين في الاسواق. في السوق الاردني الان 3 شركات رئيسية عاملة ولكن ليس بالفعالية المطلوبة وخاصة من ناحية التنافس على توفير المنتجات وتحسين نوعيتها وتحديد الاسعار، وهذه الشركات هي توتال والمناصير وشركة التوزيع التابعة لشركة مصفاة البترول.
وعند تحرير سوق المشتقات النفطية سيتحدد السعر وفقا للعرض والطلب وحسب ما سمعنا من دولة رئيس الوزراء في معرض رده على النواب عند مناقشة مشروع موازنة 2016 قبل أيام ستضع الحكومة سقف اعلى لاسعار المشتقات النفطية وستكون مهمتها الرقابة على نوعية المنتج وستحرص على أن لا يكون بين الشركات أي نوع من الكارتيل (التنظيم الاحتكاري) بحيث يمنع الاتفاق والتنسيق بين المنتجين على الاسعار وكميات الانتاج في السوق لتحقيق منافع محددة. وهذا أمرٌ حسن. وان كنت لا ارى ضرورة أن تقوم الحكومة بمهمة وضع سقف سعري بأي شكل من الاشكال وأن تكتفي بالرقابة على نوعية المنتجات من خلال مؤسسة المواصفات والمقاييس، وعلى السياسات والاستراتيجيات العامة للقطاع من خلال وزارة الطاقة.
ونقرأ بالصحف أن هنالك جدل واسع بين مؤسسة المواصفات وشركة مصفاة البترول على مواصفات الديزل التي نشاهدها يوميا في الشوارع منبعثة من بعض انواع البكبات والقلابات وباصات الكوستر وغيرها. واعتقد أن هذا السوق يجب أن يُحرر اليوم وأن يُسمح للشركات الاخرى باستيراده وفقا لمواصفات متقدمة حفاظاً على صحة المواطنين وعلى البيئة.
ومن منطلق متابعتي لما يحصل في قطاع الطاقة، أشعر بتفاؤل كبير أن الاعوام القليلة المقبلة ستشهد خروج الاردن من عنق الزجاجة في السوق المشتقات النفطية وفي قطاع الطاقة بشكل عام ، حيث تم فتح الاسواق لدخول منتجين وبائعين جدد، وهنالك تسريع واضح في انطلاقة مشاريع الطاقة المتجددة (الشمس والرياح) والصخر الزيتي والطاقة النووية، وسيتم ترك تسعير المشتقات للشركات الموجودة في السوق، وسيتم انتاج معظم انواع الطاقة داخل الاردن.