رأى حاكم مصرف لبنان رياض سلامة أنّ "الرخاء يصون كرامة الإنسان"، وأنّ " التحدي الكبير الذي يواجه الحكومات الناشئة اليوم هو إيجاد مشروع دولة يعيد الأمل إلى الأجيال الصاعدة، وتأمين الإماكانات لإعادة إحياء سوق العمل، فيشعر المواطن أنباستطاعته العيش بكرامة".
كلام الحاكم جاء خلال أعمال اليوم الثاني من "مؤتمر بيروت – إقتصاد لخدمة الإنسان" الذي أقامه على مدار يومين برعاية فخامة رئيس الجمهورية اللبنانية، العماد ميشال سليمان، كل من الملتقى الإسلامي المسيحي لرجال الأعمال في لبنان (MA’AM)والإتحاد العالمي لأرباب العمل المسيحيين (UNIAPAC) ومؤسسّة كونراد أديناور الألمانية للسياسات الإجتماعية والإقتصادية (K.A.S)، ونظّمت أعماله الشركة الدولية للمعارض (IFP Group).
وإنطلاقاً من الإتجاه المتزايد حول العالم لدى المصارف المركزية للإهتمام بالقضايا الإجتماعية، أكّد سلامة أنّ "مبادرات مصرف لبنان تنطلق من خلفيات إجتماعية، حيث أنّ التوسّع بالقدرات التسليفية لكل شرائح المجتمع ساهم بإعادة تكوين الطبقة الوسطى في لبنان، وتطوير القطاع الخاص بشكل أدّى إلى خلق فرص عمل جديدة"، واضعاً مبادرة المصرف هذه وجهوده لتوفير المناخ المناسب للإستثمار والإستهلاك في خانة "تكميل دور الحكومات".
وبيّن سلامة أهميّة الدور الذي تلعبه المصارف المركزيّة في إقتصاديات العالم اليوم على صعيد مساندة الحكومات "مع حاجة الأخيرة إلى مزيد من الوقت لإعادة التوازن إلى المالية العامة"، مضيفاً أنّ "المصارف المركزية باتت اليوم تتّخذ إجراءات للحدّ من البطالة عن طريق إبقاء فوائدها منخفضة بالرغم من التضخّم، بحيث لا ترفع الفوائد قبل إنخفاض معدّلات البطالة".
وشرح سلامة بالأرقام كيف نجحت سياسات مصرف لبنان في "إرساء الثقة بالقطاع النقدي، ما سمح بخفض الفوائد وزيادة التسليف"، مشيراً إلى أنّ مجمل الوادئع إرتفعت إلى 127 مليار دولار في العام 2012، فيما إنخفضت الفوائد المدينة على الليرة اللبنانية إلى 7.07% بنهاية العام نفسه". وبفضل هذه السياسات "نما الناتج المحلي إلى 43 مليار دولار في العام 2012 بعد أن كان لا يتجاوز 5.5 مليار دولار في العام 1992".
الحسن
وكانت أعمال اليوم الثاني من المؤتمر قد إنطلقت بكلمة لوزيرة المال السابقة ريا الحسن التي رأت أنّ "التوجّه العام في الدول النامية اليوم يؤمن بضرورة أن يكون للشركات دور فاعل تجاه مجتمعاتها من خلال وضعها في صلب سياساتها ضرورة تأمين التنمية الإجتماعية كأحد أبرز أهدافها". وأضافت الحسن أنّ "العجوزات الكبيرة التي ترزح تحتها الدول النامية وضآلة الفسحة المالية المتاحة يفرض عليها التوجّه أكثر نحو الشراكة مع القطاع الخاص لتنفيذ بعض الخدمات الأساسية ما يؤمّن لها قدرة تمويل إضافية للبرامج التنموية والإجتماعية". وأعربت الحسن عن يقينها "بقدرة القطاع الخاص على حمل لواء مسؤولية التنمية الإجتماعية والإقتصادية من خلال مشاريع قطبية في المناطق كافة بشكل يسهم في تنمية تلك المناطق ورفع مستوى معيشة سكّانها وتعزيز التماسك الإجتماعي".
لوبيرس
بدوره عرض رئيس الوزراء الهولندي السابق رود لوبيرس لتجربة تأسيس منظّمة "إيرث تشابتر" كمثال للكيفية التي يمكن فيها للقيم المشتركة أن تتجاوز كل الإختلافات "ليلتقي حاملوها على أهداف سامية تحمل الخير لكل البشر". وأشار لوبيرس إلى أنّ مبادرته لتأسيس هذه المنظّمة قبل سنوات خلت "أظهرت له بشكل جلي أنّه متى ما وجدت الأرضية المشتركة يمكن لشيوعي مخضرم كرئيس الإتحاد السوفياتي السابق يوري غورباتشوف أن يلتقي مع رأسمالي كبير مثل ستيفن روكفيلر." وعلى مستوى أوسع، إعتبر لوبيرس أنّ "الإعلان العالمي لحقوق الإنسان يشكّل أرضية جامعة يمكن للمجتمع المدني بمعناه الواسع أن يلتقي فوقها بما يضم من شركات، ومنظّمات غير حكومية، وأفراد".
افرام
وفي جلسة نقاش حول ريادة الأعمال والمسؤولية الإجتماعية للشركات أدارها رئيس مجلس إدارة مجموعة "بيمبو" المكسيكية، خوسيه إغناسيو ماريسكال، وشارك فيها كل من رئيس جمعية الصناعيين اللبنانيين، نعمت افرام، ونائب رئيس الشركة الشرقية لمنتوجات الورق، زياد بكداش، ونائب رئيس إتحاد رجال الأعمال والصناعيين الأتراك، عطا تسيلان، ورئيس مجموعة "سومادو" المغربية مولاي يوسف العلوي، رأى افرام أنّ "لا مشروعية لأي مشروع سياسي أو إقتصادي أو إجتماعي أو ثقافي إذا لم يكن في أساسه وغايته تعزيز الكرامة البشرية"، مشيراً إلى أنّ "التجارب علّمتنا أنّ الأزمات الكبرى تنشأ حين يبنى الإقتصاد على حساب الإنسان وليس في خدمته"، مضيفاً أنّ "واجبنا في مجتمع رجال الأعمال هو الكفاح للإبقاء على طبقة وسطى فاعلة في المجتمع دائماً". وعدّد افرام المبادئ السبعة التي تعتنقها مجموعة "إنديفكو" التي يرأسها في ممارستها لأعمالها، وهي القائد الخادم لقضيته، وروح العائلة، والنزاهة، والتواضع، والعمل الجاد، والدقة، وروح المبادرة.
بكداش
من ناحيته أكّد بكداش أنّ "الشركات لم تعد مجرّد كيانات إقتصادية فحسب، بل باتت كيانات ترتبط بالوطن الذي تعمل فيه، وبالإنسان الذي يعمل فيها"، معتبراً أنّه "على الشركات في عالم اليوم أن لا تكتفي بالإرتباط بالمسؤولية الإجتماعية، بل عليها أن تسعى الإبداع في معانيها وتطبيقاتها". ولفت بكداش إلى أنّ "بعض الباحثين يقترح إستبدال مصطلح "المسؤولية الإجتماعية" بمصطلح "الإستجابة الإجتماعية"، حيث يتضمّن الأول نوعاً من الإلزام، فيما يوحي الثاني بوجود دافع وحافز لدى الشركات لتحمّل مسؤولياتها والإستجابة لحاجات مجتمعها".
وقد إحتلّت قضايا تداعيات العولمة والأزمة المالية العالمية، ودور القيم في دفع هذه التداعيات والأزمات محور كلمات ونقاشات اليوم الثاني بشكل عام، مع محور خاص لدور الإعلام في المساهمة في التنمية، وآخر للدور التشريعي للدولة في فتح الآفاق أمام الشركات كي تنهض بمهامها في مجال المسؤولية الإجتماعية. وكانت مداخلات لكل من عضو مجلس النواب الهولندي السابق، يوس فان غينب، ومدير مؤسسة طلال أبو غزالة الدولية، مصطفى ناصر الدين، ونائب رئيس غرفة التجارة والصناعة والزراعة في بيروت وجبل لبنان، نبيل فهد، والأستاذ المحاضر في جامعة Eichstaett-Ingolstadt الكاثوليكية في ألمانيا، أندريه هابيش. فيما عرض وزير المالية اللبناني الأسبق جورج قرم قراءته لما إنتهى إليه المؤتمر مختتماً أعماله.