لم تعد المدن الصناعية مجرد مناطق وتجمعات تضم عددا من الأنشطة والمشاريع الصناعية في موقع واحد؛ بل لها غايات أسمى، فهي تعد نموذجا فريدا لتوطين الصناعة، وزيادة النمو الصناعي، والنهوض بقطاع الصناعة من خلال توفير البيئة المناسبة لها، ودعم الصناعيين بتحقيق جميع الخدمات التي يحتاجونها.
وقد نجحت تلك المناطق في تعزيز توجه الدولة في تنويع مصادر الدخل من خلال جذب الاستثمارات المحلية والأجنبية، وإحداث نقلات نوعية في القطاع الصناعي؛ وتحقيق التنمية المتوازنة المستدامة، وإيجاد فرص العمل للكوادر المؤهلة من أبناء وبنات الوطن، وبوصفها الركيزة الأساسية لتوطين وتطوير الصناعة الوطنية تحرص الهيئة على إنشاء مدن صناعية نموذجية تكون بمثابة مراكز صناعية متكاملة تتوافر فيها مقومات الصناعة كافة، من بنية تحتية متكاملة، وخدمات وتجهيزات أساسية تُراعي فيها شروط البيئة ومتطلبات السلامة لتتحقق من خلالها أهداف الإستراتيجية الصناعية، وتصبح موطن جذب للاستثمار.
بدأت تجربة المدن الصناعية في السعودية منذ أكثر من أربعة عقود، وتحديدا في عام 1393هـ، بإنشاء ثلاث مدن صناعية في كل من: الرياض وجدة والدمام بمساحة إجمالية تبلغ 1.4 مليون مترمربع، شكلت النواة الأولى للمدن الصناعية في المملكة، ورغم حداثة التجربة لعبت دورا حيويا في حث رجال الأعمال المحليين على الاستثمار في المجال الصناعي، وحظيت بإقبال كبير من قبلهم، مما حفز الدولة على التوسع في إقامة مزيد من المدن الصناعية بدءا من الخطة الخمسية الثانية للتنمية عام 1395 – 1400هـ والخطط التالية، حتى بلغ عددها 14 مدينة صناعية بنهاية الخطة الخمسية السابعة 1420 – 1425هـ، بمساحة إجمالية تبلغ 89.5 مليون مترمربع، في كل من: الرياض وجدة والدمام ومكة المكرمة والقصيم والأحساء والمدينة المنورة وعسير والجوف وتبوك وحائل ونجران، تضم 1800 مصنعا منتجا وتحت التأسيس والإنشاء، وباستثمارات تتجاوز الـ 60 مليار ريال، ويعمل فيها نحو 152 ألف عامل.
وفي عام 2001 أنشئت الهيئة السعودية للمدن الصناعية ومناطق التقنية “مدن” بموجب القرار الوزاري رقم 235، وتاريخ 27/8/1422هـ، وتشمل المدن الصناعية. وتتمثل مسئوليتها في تطوير الأراضي الصناعية والإشراف عليها، والإشراف على مناطق التقنية. وبوصفها جهة مستقلة فإن دورها يتمثل في تنظيم وتشجيع إقامة المدن الصناعية ومناطق التقنية على أراض صناعية تابعة للقطاعين العام والخاص، وتشجيع القطاع الخاص على المشاركة في تطوير وتشغيل وصيانة المدن الصناعية؛ علاوة على ذلك، فإن “مدن” مسؤولة عن إيجاد بيئة مثالية لتطوير ورفع مستوى مناطق التقنية في السعودية. أما الهدف الأكبر لـ “مدن” فيتمثل في جعل الصناعة السعودية قادرة على المنافسة محليا وعالميا.
ومنذ تأسيسها، تبنت الهيئة رؤية خادم الحرمين الشريفين في جعل الصناعة الخيار الاستراتيجي لتنويع مصادر الدخل، وتُسخر جميع إمكاناتها لتحقيق أهداف الإستراتيجية الوطنية للصناعة، ورفع مساهمة القطاع الصناعي في الناتج الإجمالي المحلي إلى 20 في المائة بحلول 2021/1440هـ، وذلك من خلال تنفيذ مشروعات صناعية عملاقة في مختلف مناطق المملكة تنسجم مع خططها، وتتواكب مع إستراتيجية الدولة في توطين الصناعية وتطويرها؛ وبفضل الرعاية الخاصة التي توليها الدولة للقطاع الصناعي، إضافة إلى جهود “مدن” انعكست تلك الرؤية على نتائج الإستراتيجية في النمو المتصاعد في اقتصاد المملكة، حيث تتصدر المملكة دول الخليج في عدد المصانع، حجم الاستثمار الصناعي، عدد الفرص الوظيفية في القطاع الصناعي، فضلا عن عدد المدن الصناعية.
الرشيد
وبدوره، قال المدير العام لـ “مدن” المهندس صالح بن إبراهيم الرشيد أن الهيئة تعمل على ترجمة أهداف استراتيجية الدولة لتوطين الصناعة لأرض الواقع، مما انعكس على الاستثمار الصناعي في المملكة، كاشفا أن السنوات الثماني الماضي ــــ (2007 ـ 2014) ـــــ شهدت توسعا ونموا في شتى المجالات، حيث تضاعف عدد المدن الصناعية بشكل ملحوظ من 14 مدينة صناعية في عام 2007، إلى 33 مدينة صناعية ما بين قائمة أو تحت التطوير في 2014، بزيادة تقدر بنحو 135.7 في المائة، وزادت مساحة الأراضي الصناعية المطورة من 40.5 مليون مترمربع في عام 2007 إلى 178 مليون مترمربع في عام 2014م، بزيادة تصل 339.5 في المائة، وزاد عدد المصانع بين المنتجة وتحت الإنشاء من 1950 مصنعا في عام 2007 إلى 5600 مصنعا في عام 2014، منتشرة في جميع المدن الصناعية، بزيادة تقدر بـ 178 في المائة؛ وباستثمارات تزيد عن 450 مليار ريال؛ وبلغت الطاقة الكهربائية بمحطات التحويل بالمدن الصناعية 6.362 ميجا فولت أمبير في عام 2014ج بنسبة نمو تصل297.6 في المائة عن عام 2007م التي بلغت الطاقة الكهربائية فيه 1600 م.ف.أ، وارتفعت أطوال الطرق من 100 كيلومتر في عام 2007 إلى 255 كيلومتر في عام 2014، بزيادة تصل 155 في المائة.
مشاريع التطوير
وتعكف “مدن” حاليا على تخطيط وتطوير عدد من المدن الصناعية الجديدة، وذلك لمقابلة النمو المتزايد في الطلب على الأراضي الصناعية، منها: “واحة مدن” بينبع، في منطقة المدينة المنورة، والتي تقع شمال المطار على بعد عشرة كيلومترات عن وسط المدينة، وتبلغ مساحتها 500 ألف مترمربع، والمدينة الصناعية برابغ، والمدينة الصناعية بعسير2؛ فضلا عن سعيها الحثيث بالتنسيق مع الجهات ذات الصلة لاعتماد وتخصيص أراض لمدن صناعية جديدة، منها: المدينة الصناعية في القريات، وواحة مدن في الجوف، وواحة مدن في بريدة، واتخاذ الخطوات التنفيذية لأعمال التخطيط والتصميم والتطوير وفق أعلى المعايير فور استلام المواقع خلال الفترة القادمة، وصولا لـ 40 مدينة صناعية بحلول الأعوام القليلة القادمة ـــ بإذن الله.