بعد عقود من إهمال الإستثمار في مشاريع السكك الحديدية، والإعتماد على طوابير من الشاحنات العابرة بين الحدود لنقل البضائع والمنتجات، عادت دول مجلس التعاون الخليجي لتفرد على طاولة الإستثمار خطط مشاريع السكك الحديدية في خطوة يتوقّع أن يكون لها أثر إيجابي هائل على وتيرة النمو الإقتصادي والإجتماعي، فضلاً عن إنعكاساتها على قطاع النقل والخدمات اللوجستية أيضاً.
خطط إستثمار تصل قيمتها إلى 150 مليار دولار
تشير الأرقام الرسمية الصادرة عن حكومات دول مجلس التعاون الخليجي إلى أنّ الإنفاق على مشاريع السكك الحديدية سيبلغ 150 مليار دولار بحلول العام 2030، بهدف مدّ أكثر من 6 آلاف كيلومتر من الخطوط الحديدية التي تشمل الشبكات الوطنية داخل الدول، والشبكة المشتركة التي يفترض أن تربط دول المجلس الست ببعضها البعض.
وبطبيعة الحال، ستواجه الحكومات على طول الطريق المؤدية إلى إتمام هذه المشاريع تحديّات تقنيّة وفنيّة عدّة، لعلّ أهمها القدرة على ربط ست شبكات سكك حديدية وطنية ببعضها بشكل فعّال وناجح. إلّا أنّ الأهميّة الإقتصادية الهائلة التي تحملها هذه المشاريع تجعل من تخطّي هذا النوع من العقبات أمراً مفروغاً منه. فنجاح مشاريع السكك الحديدية في دول مجلس التعاون الخليجي سيؤدي بالدرجة الأولى وبشكل مباشر إلى خفض هائل في فاتورة النقل التي تتحمّلها هذه الدول لتغطية نفقات النقل البري والجوي حالياً. هذا عدا عن فتح الحدود على مصراعيها أمام حركة التبادل التجاري بشكل سهل، وسريع، وبالتالي مضاعفة حجم هذا التبادل إلى أرقام هائلة.
ويؤمن بعض من أبرز الخبراء الدوليين المتخصّصين في تخطيط وتصميم وإنشاء شبكات السكك الحديدية أنّ إتمام المشاريع التي تبنّتها حكومات دول مجلس التعاون الخليجي سيحدث تحوّلاً في إقتصاد هذه الدول ويدفع بمعدّلات النمو إلى آفاق أعلى بكثير مما هي عليه. ويجمع هؤلاء الخبراء على أنّ خطوط السكك الحديدية تمثّل مستقبل النقل في دول مجلس التعاون الخليجي بلا أي منافس على الإطلاق.
دوافع مختلفة ومشاريع متعدّدة والوجهة واحدة
فيما تختلف الأسباب التي تدعو كل دولة من دول مجلس التعاون الخليجي إلى إنشاء شبكتها من خطوط السكك الحديدية، تبدو الدول الست مجمعة على هذا التوجّه بدليل الحجم الهائل من المبالغ التي تم تخصيصها لهذه المشاريع. حيث تقود قطر الإنفاق بخطط تبلغ قيمتها 42 مليار دولار، تليها المملكة العربية السعودية بمشاريع تقدّر بحوالي 31 مليار دولار، فيما أعلنت الإمارات العربية المتحدة عن مشاريع بقيمة 18 مليار دولار. أما الكويت فتخطّط لإستثمار 17 مليار دولار في مشاريع السكك الحديدية ، فيما ستنفق سلطنة عمان 10 مليارات، والبحرين حوالي 8 مليارات. أما مشروع شبكة السكك الحديدية الخليجية فيتوقّع أن تصل قيمته إلى حوالي 42 مليار دولار.
ومع تفاوت قيمة المشاريع، تختلف أوجه الإستفادة من خطوط السكك الحديدية بحسب أولويات كل دولة من دول المجلس الست. ففي سلطنة عمان ستعطى الأولوية للإستخدام السياحي، فيما توظّف الإمارات العربية المتحدة خطوطها الحديدية لنقل البضائع والركاب وسواها من الخدمات اللوجستية. أما المملكة العربية السعودية، فتنوي إضافة إلى نقل البضائع والركاب الإستفادة من مشاريع السكك الحديدية في صناعة التعدين ونقل المستخرجات من المناجم إلى مرافئ التصدير. بدورها تضع قطر مشاريعها لإنشاء شبكة وطنية للسكك الحديدية من ضمن المخطط الشامل لترقية البنية التحتية إستعداداً لإستضافة بطول كأس العالم في كرة القدم في العام 2022. فيما تركّز كل من الكويت والبحرين على معالجة مشكلة الإزدحام المروري من خلال هذا النوع من المشاريع.
آثار إيجابية ملموسة منذ الآن
رغم أنّ معظم مشاريع السكك الحديدية المعلنة في دول مجلس التعاون الخليجي لا تزال في مرحلة التخطيط أو بدايات التنفيذ، ورغم أنّ إكتمال هذه المشاريع لن يبدأ بالظهور قبل سنوات عدة، إلا أنّ آثارها الإقتصادية بدأت بالظهور منذ الآن. فبالتزامن مع الإعلان عن هذه المشاريع، باشرت دول الخليج بتوسعة موانئها تمهيداً لربطها بخطوط السكك الحديدية، حيث تقوم المملكة العربية السعودية بما يشبه الترقية الشاملة لموائنها على البحر الأحمر، ومثلها تفعل الإمارات العربية المتحدة في مرفأ جبل علي، وكذلك تفعل سلطنة عمان في مرفأ صلالة عند الحدود مع اليمن. ومع إنطلاق مرحلة التنفيذ الفعلي لمشاريع السكك الحديدية في بعض الدول الخليجية، يبدو جلياً أن قاطرة النمو قد سارت قدماً بالفعل، وهي ستمرّ بمحطات تكاد لا تحصى، بدءاً من مشاريع توسعة الموانئ الضخمة، وليس إنتهاءاً بالخطط الصغيرة التي تشمل إفتتاح المتاجر، والمطاعم، والمقاهي، وغيرها من مرافق التجارة والخدمات على طول خط سير قاطرات النمو هذه.
Ifpinfo