لم يعد الحديث عن إعادة الإعمار في سورية يدور همساً في الأوساط الإقتصادية الإقليمية والدولية، بل إنتقل الموضوع في الأشهر الأخيرة ليشغل حيّزاً واسعاً من إهتمامات هذه الأوساط إستعداداً لمرحلة يجمع مختلف الخبراء والمراقبون على أنّها مقبلة بلا شك. بل إنّ الكثير من شركات القطاع الخاص قد بدأت تعدّ العدّة فعلياً لهذه المرحلة، فيما أطلقت بعض المؤسّسات الدولية المعنية برامج عمل تواكب هذه الإستعدادات تحضيراً لإنطلاق صافرة الإعمار والتنمية.
ومواكبةً لمختلف هذه الجهود، وبهدف وتوفير إطار جامع يلتقي فيه رجال الأعمال السوريين بنظرائهم من المنطقة والعالم لبحث الخيارات والإمكانات المتاحة للتنمية، وتطوير شبكة العلاقات بين رجال الأعمال السوريين والشركاء الدوليين والإقليميين، أطلقت الشركة الدولية للمعارض (IFP Group) "منتدى رجال الأعمال السوريين"، الذي بدأ أعماله مساء الأربعاء 4 حزيران في مركز "بيال" للمعارض في وسط بيروت، بالتزامن مع الدورة التاسعة عشرة من معرض "بروجكت لبنان".
وقد جاءت إنطلاقة المنتدى مع ندوة خاصة شارك فيها كبير الإقتصاديين ومدير إدارة التنمية الإقتصادية والعولمة في "الإسكوا"، عبد الله الدردري، والذي يشرف على مشروع "الأجندة الوطنية لمستقبل سورية" الذي أطلقته "الإسكوا" لتقييم الإحتياجات الإنمائية في سوريا، إلى جانب مجموعة من الخبراء السوريين العاملين في المشروع. وقد أدار معالي وزير المال والإقتصاد والتجارة السابق، دميانوس قطّار، الندوة التي حضرتها مجموعة مختارة من رجال الأعمال السوريين والعرب والأجانب، وشارك فيها ممثّلون عن أكثر من 50 شركة سورية من شركات التجارة والمقاولات، وعلى رأسها إتحاد غرف التجارة السورية.
قطّار
وقد رأى قطّار في كلمته الإفتتاحية أنّ "الإجتماع حول موضوع الإعمار والتنمية في سوريا، وفي بيروت تحديداً، يأتي في لحظة تاريخية لكلا البلدين، وهو موضوع مهمّ وحيوي لكلا البلدين كذلك"، مثنياً على "إختيار الشركة المنظّمة للمكان والتوقيت." وإذ أشار قطّار إلى أنّ "البنية التحتية والأسواق المالية وخيارات الإقتصاد الكلّي تخضع جميعها لمعايير ستناقشها الندوة"، إعتبر أنّ الأهم يبقى "الإرادة، والتطلّع إلى ما وراء الحرب، والإستعداد لساعة الصفر في عملية الإعمار."
الدردري
بدوره عرض الدردري بشكل موجز لإنطلاقة مشروع "الأجندة الوطنية لمستقبل سورية"، فذكر أنّ المشروع بدأ "بمجموعة من الشباب السوريين في الإسكوا الذين أخذوا على عاتقهم التفكير بمستقبل سورية"، لافتاً إلى أنّ عدد الخبراء المساهمين في المشروع يصل حالياً إلى 300 خبير، ويفترض أن يصل في المستقبل القريب إلى الألف.
وأكّد الدردري على أنّ "مشروع إعادة إعمار سوريا ليس مجرّد مجموعة من المشاريع الإنشائية، بل هو مشروع وطني حضاري يعني المجتمع السوري بكامله"، مشدّداً على أنّ "دور المنتدى ليس التخطيط أو تقديم الإجابات على الأسئلة التي تطرحها عملية إعادة الإعمار، بل هو محاولة لتسليط الضوء على الخيارات المتاحة."
وبالأرقام، عرض الدردري في مداخلته التي حملت عنوان " الإقتصاد الكلّي لما بعد الأزمة في سورية" للنزف الإقتصادي الذي عانته سورية نتيجة الأزمة، فأشار إلى أنّ "الإقتصاد قد خسر نصف الناتج المحلي منذ بداية الأزمة تقريباً، وأنّ الضرر قد طال جميع القطاعات بنسب مختلفة." وأشار الدردري إلى أنّ الكلفة المقدّرة لعملية الإعمار والتنمية تتراوح بين 165 و 200 مليار دولار، منها حوالي 60 ملياراً من الإستثمارات العامّة التي يفترض أن تتحمّل كلفتها الدولة.
وقدّر الدردري «التدمير الرأسمالي»، أي دمار المصانع والمنشآت، بحوالى 90%، لكنه أبدى تفاؤلاً بـ«توقف التدهور»، معلناً أن الناتج المحلي في الربع الأول من العام الجاري سجل نمواً إيجابياً بعودة جزء من الصناعة إلى الحياة.
ومن هذه النقطة إنطلق الدردري ليعرض خيارات التمويل، وأولويات الإنفاق والإستثمار، طارحاً جملة من الأسئلة الجوهرية التي ستواجه أصحاب القرار عند بدء مرحلة الأعمار.
فالإنفاق على «المصالحة الوطنية» عبر صناديق للتعويض على أسر الشهداء والجرحى والمفقودين أولوية قصوى «لشراء السلام الاجتماعي خلال الأيام الأولى بعد انتهاء الحرب، ولو كان الأمر غير مجدٍ اقتصادياً» ومكلفاً، قال الدردري، مؤكداً الحاجة إلى «نجاحات سريعة» تتيح النمو السريع في مرحلة السلام الأولى، كإعادة بناء قطاع الكهرباء؛ ورغم كون الأمر أولوية، فالواجب دراسة التكلفة وضبطها، فهي ستكون «على حساب شيء آخر» حتماً. كالحاجة إلى إعادة بناء 1،500،000 مسكن بكلفة تُقدّر بـ 28 مليار دولار. والإستثمار في قطاع البناء يخلق فرص عمل وافرة، وإن كانت غير مستدامة، قال الدردري، مشيراً إلى أن الدولة لن تستطيع القيام بتلبية الطلب على المساكن وحدها، ما يفرض توسيع دور القطاع الخاص في هذا المجال.
وخلص الدردري في ختام مداخلته إلى أنّه ورغم قتامة المشهد الحالي "يبقى بناء سوريا ممكناً، بل وضرورياً، ولا خيار آخر سواه بالنسبة لكامل المنطقة العربية"، مشيراً إلى أنّ إمكانية تحقيق ذلك "تؤكّده الأرقام والدراسات التي بحوزتنا، والتي تشير إلى أنّ التدهور قد توقّف تقريباً في الربع الأول من العام الحالي."
خونده
وبصيغة أكثر تفصيلاً، عرض المستشار المتخصّص في شؤون الشراكة بين القطاعين العام والخاص في الإسكوا، الدكتور علي خونده، في مداخلته التي حملت عنوان "الطاقة والبنى التحتية في سوريا بعد الأزمة"، الواقع الحالي لهذه القطاعات، ومقدار الضرر الذي لحق بها جرّاء الأزمة، والخيارات الممكنة للصيانة والتأهيل وإعادة التشغيل.
أصلان
من جهته ناقش خبير الأسواق المالية، ونائب المدير التنفيذي السابق لهيئة الأوراق والأسواق المالية السورية، الدكتور صقر أصلان، قضية " التهديدات والفرص في السوق المالي السوري مستقبلاً"، متوقّفاً بشكل خاص عند مصادر وخيارات التمويل المتاحة لعملية إعادة الإعمار.
إشارة إلى أنّ المنتدى تابع أعماله يومي 5 و 6 حزيران من خلال برنامج لقاءات عمل ثنائية مباشرة تجمع بين ممثّلي الشركات السورية، وممثّلي الشركات والبعثات التجارية الإقليمية والدولية المشاركة في معرض"بروجكت لبنان".