مخرج كبير لتسديد الدين العام البالغ 55 مليار دولار وخلق فرص عمل جديدة
تتناقل الدوائر اللبنانية الرسمية والشعبية منذ فترة بكثير من الأمل الممزوج بالقلق الأفكار التي يمكن أن تأتي من تحول لبنان الى دولة منتجة للنفط والغاز. فالمسؤولون ينظرون الى هذا التحول كمخرج كبير لتسديد الدين العام, الذي تجاوز عتبة 55 مليار دولار, بينما ينتظر عموم اللبنانيين أن يكون هذا مدخلاً الى التطوير والتنمية التي حرم منها البلد لسنوات وانعكست تردياً في الأحوال المعيشية وارتفاعاً في كلفة الحياة.
تقنياً, تشير الدراسات الى وجود كميات لا بأس بها من الغاز الطبيعي في المياه الاقليمية اللبنانية تحت البحر المتوسط, على مساحة 22 ألف كيلومتر مربع, وفق وزارة الطاقة والمياه اللبنانية, وهي كميات تجارية يمكن استخراجها وتقدر قيمتها بما بين 300 مليار دولار و500 مليار.
اشارات ايجابية..
رغم الاشارات الايجابية التي رشحت في الفترة الأخيرة, لا يبدو أن لبنان سيُسرع عجلة الاستفادة من ثروته النفطية البحرية. هذا ما عبرت عنه مؤسسة "بزنس مونيتور انترناشونال" (بي أم آي) البريطانية للأبحاث الاقتصادية, في تقرير حديث.
وتقول الشركة ان الحكومة اللبنانية أخرت اطلاق الجولة الأولى من التراخيص الخاصة بالتنقيب عن النفط في المياه الاقليمية بعدما كانت مقررة في عام 2011, بسبب الأزمة السياسية المستمرة في البلد.
ورأت "بي أم آي" أن التأخير المستمر في تطوير المصادر المحلية للموارد الطبيعية سيُترجم اعتماداً أكبر على استيراد الطاقة ومواردها.
ولاحظت أن لبنان يعتزم الانتقال في استهلاكه للطاقة من النفط الى الغاز, ما يُمثل وفراً كبيراً على صعيد فاتورة الاستيراد.
لكن, رغم أن استغلال الثروة الموجودة في المياه الاقليمية يُمثل مهمة ضرورية تؤمن للبلاد امكانات هائلة, الا أن لبنان سيستمر في الاعتماد على الطاقة المستوردة لحاجاته الاستهلاكية خلال المستقبل القريب, نظراً الى أن عجلة التقدم صوب الانتاج ستبقى بطيئة.
وتزداد مقومات المنطقة على صعيد التنقيب مع اكتشاف كميات جديدة قرب قبرص.
وتتوقع المؤسسة البريطانية أن المسح السيزمي الثلاثي الأبعاد الذي تجريه شركتا "دولفين" و"سبكتروم" سيوفر صورة شاملة للكميات الموجودة في المياه اللبنانية.
وتوضح أن المسح سيجهز في أيلول (سبتمبر) الجاري وأن المعلومات والبيانات الخاصة ستُصبح كاملة في نهاية هذا العام.
ووفقاً لتقديرات مؤسسة المسوحات الجيولوجية الأميركية, يحوي الحوض الشرقي للبحر المتوسط 1.7 مليار برميل من النفط, و122 تريليون قدم مكعب من الغاز.
وتبلغ مساحة الحوض 83 ألف كيلومتر مربع, وتشمل شواطئ لبنان, سورية, قبرص واسرائيل.
ونقل عن الرئيس التنفيذي لشركة "سبكتروم" النرويجية, التي تقوم بأعمال المسح السيزمي الجيولوجي, دايفد رولاندز, قوله ان المعلومات المتوافرة بين يديه تشير الى أن كميات الغاز التي قد تكون متوافرة في المياه الاقليمية اللبنانية ربما تفوق التوقعات.
وأكد أن أعماق البحر قرب المياه اللبنانية لها مواصفات تفوق تلك الموجودة قرب شواطئ قبرص وسورية.
وقال على هامش مؤتمر: "هذه الاستنتاجات تستند الى المعلومات التي جمعتها سبكتروم وشريكتها دولفين جيوفيزيكال من لبنان وقبرص وسورية".
ولفت الى أن السفينة "بولار ديوك" أنهت مسح 650 كيلومتراً مربعاً قرب الشواطئ اللبنانية وهي انتاجية مرتفعة.
لكنه أشار الى أن تحليل المعلومات المستقاة من المسح لن يكتمل قبل كانون الثاني (يناير) المقبل.
وشدد على أن امكانية وجود نفط في المياه اللبنانية جيدة الا أن فرص استخراج الغاز تبقى أكبر وأكثر احتمالية.
وسبق لوزير الطاقة اللبناني, جبران باسيل, القول إن 26 شركة أجنبية عبرت عن رغبتها في التنقيب عن الغاز والنفط قبالة الساحل اللبناني.
آفاق مستقبلية
وأظهرت الدراسات أهمية التنقيب عن النفط اقتصادياً على المديين المتوسط والبعيد.فاستخراج النفط اللبناني وتصديره يساهمان في رفع مداخيل الدولة سواء لجهة العجز أو لجهة تحسين الوضع الاجتماعي, وخفض كلفة الانتاج في مختلف القطاعات, وحل مشكلة الكهرباء في بلد بحاجة ماسة اليها.
وتشير دراسات جدوى اقتصادية أجرتها معاهد دولية مهتمة بالشأن اللبناني الى أن لا بديل عن النفط لسد الدين العام, موضحة أن لبنان سيستفيد خلال السنوات المقبلة من ارتفاع أسعار النفط بسبب ازدياد الطلب وظاهرة نضوب البترول.
المردود السنوي
وتبين دراسة أجراها الخبير المالي وليد أبو سليمان أن المردود السنوي الذي يمكن أن ينتج من استخراج النفط والغاز من لبنان قد يصل الى 2.3 مليار دولار سنوياً على أساس انتاج 90 ألف برميل يومياً مع اعادة تفعيل مصفاتي طرابلس والزهراني, وهذه الايرادات ستحقق تغييراً جذرياً في الاقتصاد اللبناني.
ويقدر الخبراء عدد العاملين في قطاع النفط في العام 2014 بنحو 30 ألف عامل, وستكون للبنانيين حصة كبيرة من هذه التوظيفات, وبالتالي على الجامعات اللبنانية الحكومية أو الخاصة أن تتوجه نحو استحداث كليات هندسية للتخصص في الجيولوجيا البترولية والكيمياء البترولية والتسويق البترولي وكل ما يرتبط بالصناعة النفطية من تقنيات واختصاصات.
واستناداً الى الدراسات العلمية المنجزة التي خلصت اليها شركة "بي جي أس" النرويجية اكتشفت مواقع عدة في محاذاة الساحل اللبناني تحتوي على كميات مؤكدة من الغاز والنفط, قد تبلغ بحسب الخبير النفطي ربيع ياغي نحو 25 تريليون قدم مكعب من الغاز على الأقل, و80 تريليوناً على الأكثر, و1.5 مليار برميل من النفط الخام اذا تأكد وجوده.
بحساب بسيط فان كل تريليون قدم مكعب من الغاز تقدر قيمته بنحو 12 مليار دولار, واذا كان نصيب لبنان من الغاز 25 تريليونا, فان ثروته تقدر بنحو 300 مليار دولار, أما اذا كانت 80 تريليوناً فالتقديرات تتجاوز 960 مليار دولار.
كما أن كل تريليون قدم مكعب من الغاز يغطي انتاج خمسة آلاف ميغاواط من الكهرباء, وبالتالي فان لبنان يمكنه أن يخطط ليصبح مصدراً للطاقة الكهربائية في المنطقة.
ووفقاً للنواحي التقنية لهذه النتائج, يؤكد ياغي "أن المناطق الواقعة خارج الحدود الاقليمية, أي معظم المناطق الواعدة, هي في المنطقة الاقتصادية الخالصة التي تصل بين لبنان وقبرص, وقد تم اتفاق مبدئي على تقسيم هذه المناطق, أي بمعنى 50 في المئة لكل بلد", مشيراً الى "أن المسافة بين لبنان وقبرص كمعدل عام هي في حدود 125 ميلاً بحرياً, وفي المحصلة فان للبنان الحق في التنقيب والاستكشاف بـ60 ميلاً بحرياً, كذلك لقبرص".
ويضيف: "اذا كان هناك من مكامن مشتركة على الخط الفاصل, تستثمر ويتم تقاسمها تبعاً لنسبة وجودها في الداخل اللبناني أو في الداخل القبرصي, وهذه العملية يحكمها قانون البحار الذي أقرته الأمم المتحدة عام 1982".
ويشدد على "أن الحفر التجريبي هو الذي يعطينا نتائج عن الكميات المتوقع وجودها, وهل هي من حيث الحجم ذات جدوى اقتصادية أم لا؟ ونستطيع القول علمياً ان النتائج مطمئنة مئة في المئة, لكن عمليات الحفر التجريبي ضرورية لندحض الشك باليقين, وذلك سيحصل بعد تقسيم المناطق البحرية اللبنانية الى قطع تطلق عليها تسميات كامتياز للشركات العالمية".
© Al-Seyassah 2012